Carte du EGYPT خــــريطة مصـــــر
أمازيغ مصر - السيويين - المنبوذين ببلدهم
أمازيغ مصر يستنكرون نعت الإعلام المصري الجزائريين بالبربر
مبادرة الناشطة المصرية الأمازيغية أماني الوشاحى للمصالحة المصرية الجزائرية
أطلقت الناشطة المصرية الأمازيغية “أماني الوشاحي” أول أمس الاثنين، مبادرة للمصالحة بين مصر والجزائر على خلفية الاعتداءات التي حدثت من بعض مشجعي الجزائر ضد مشجعي مصر.
وقالت أماني الوشاحي لـ”الأقباط متحدون” إنها استاءت كثيرًا من تناول بعض وسائل الإعلام المصرية وتجريحهم للأمازيغ “البربر”، وخاصة صحيفة تسمى “الشارع” والتي أفردت عددًا خاصًا يوم الجمعة الماضي من الجريدة بعنوان “جريمة البربر”، تحتوي على عدة مواضيع ورسومات كاريكاتيرية ساخرة من الأمازيغ “البربر”، بجانب تعرضها لبعض المضايقات من بعض المصريين بعد أحداث السودان الأخيرة.
وأضافت الوشاحي أنها استاءت كثيرًا لأحداث العنف المؤسفة التي ترتبت على مباراة مصر والجزائر الأخيرة بالسودان، وباعتبارها عنصرًا مشتركًا بين الشعبين المصرى والجزائري.. أعلنت تأسيس مبادرتها للمصالحة المصرية الجزائرية تحت اسم (قبلة أمازيغية) على جبين كل مصري وكل جزائري.. كيانًا إلكترونيًا مفتوحًا لكل حمائم السلام دون تمييز.
شارك في البيان التأسيسي للمبادرة، من مصر: كمال زاخر، أيمن نخلة، وليد أبو ستيت، علاء المسلماني، أكرم المصري، والمغربيان إيمان حافظ وسفيان لمحمدي والسوداني الضو إبراهيم.
يُذكر أن الأمازيغ هم سكان شمال أفريقيا الأصليون، وعدد الأمازيغ في مصر حوالي 21 ألف أمازيغي يعيش معظمهم في مدينة سيوه، ويدينون بالإسلام “السنة” على مذهب الإمام مالك بن أنس. ومن أشهر الأمازيغ تاريخيًا: الفيلسوف ابن رشد والفيلسوف ابن خلدون.
بيان المبادرة
بعد أحداث السودان الأخيرة.. انطلق العديد من المبادرات في مصر والجزائر.. لأجل المصالحة بين البلدين.. بعضها فشل وبعضها لا زال يحبو نحو النجاح.. لهذا قررنا نحن الموقعون أدناه.. أن تكون المبادرة أمازيغية (بربرية).. باعتبار الأمازيغ (البربر) عنصرًا مشتركًا بين الشعبين المصري والجزائري.. لهذا فهم الأنسب للقيام بدور الوسيط في هذه الأزمة.
لهذا نعلن تأسيس مبادرة أماني الوشاحى للمصالحة المصرية الجزائرية (قبلة أمازيغية).. كيانًا الكترونيًا مدنيًا مستقلاً.. غير تابع لأي تيار سياسي أو فكرى.. يهدف للآتي:
1- الاعتراف بالاعتداءات المتبادلة بين الشعبين المصري والجزائري.. كل منهما على الآخر.. والوقوف على الحياد قدر الإمكان.
2- تضميد الجراح ورأب الصدع الذي خلفته الأزمة سالفة الذكر.. وفتح صفحة جديدة بين الشعبين الشقيقين.
3- تقريب وجهات النظر بين الجانبين المصري والجزائري.. على المستويين الرسمي والشعبي.
4- إدانة كل من يثبت تورطه في إشعال نيران الأزمة على الجانبين.
وقالت أماني الوشاحي لـ”الأقباط متحدون” إنها استاءت كثيرًا من تناول بعض وسائل الإعلام المصرية وتجريحهم للأمازيغ “البربر”، وخاصة صحيفة تسمى “الشارع” والتي أفردت عددًا خاصًا يوم الجمعة الماضي من الجريدة بعنوان “جريمة البربر”، تحتوي على عدة مواضيع ورسومات كاريكاتيرية ساخرة من الأمازيغ “البربر”، بجانب تعرضها لبعض المضايقات من بعض المصريين بعد أحداث السودان الأخيرة.
وأضافت الوشاحي أنها استاءت كثيرًا لأحداث العنف المؤسفة التي ترتبت على مباراة مصر والجزائر الأخيرة بالسودان، وباعتبارها عنصرًا مشتركًا بين الشعبين المصرى والجزائري.. أعلنت تأسيس مبادرتها للمصالحة المصرية الجزائرية تحت اسم (قبلة أمازيغية) على جبين كل مصري وكل جزائري.. كيانًا إلكترونيًا مفتوحًا لكل حمائم السلام دون تمييز.
شارك في البيان التأسيسي للمبادرة، من مصر: كمال زاخر، أيمن نخلة، وليد أبو ستيت، علاء المسلماني، أكرم المصري، والمغربيان إيمان حافظ وسفيان لمحمدي والسوداني الضو إبراهيم.
يُذكر أن الأمازيغ هم سكان شمال أفريقيا الأصليون، وعدد الأمازيغ في مصر حوالي 21 ألف أمازيغي يعيش معظمهم في مدينة سيوه، ويدينون بالإسلام “السنة” على مذهب الإمام مالك بن أنس. ومن أشهر الأمازيغ تاريخيًا: الفيلسوف ابن رشد والفيلسوف ابن خلدون.
بيان المبادرة
بعد أحداث السودان الأخيرة.. انطلق العديد من المبادرات في مصر والجزائر.. لأجل المصالحة بين البلدين.. بعضها فشل وبعضها لا زال يحبو نحو النجاح.. لهذا قررنا نحن الموقعون أدناه.. أن تكون المبادرة أمازيغية (بربرية).. باعتبار الأمازيغ (البربر) عنصرًا مشتركًا بين الشعبين المصري والجزائري.. لهذا فهم الأنسب للقيام بدور الوسيط في هذه الأزمة.
لهذا نعلن تأسيس مبادرة أماني الوشاحى للمصالحة المصرية الجزائرية (قبلة أمازيغية).. كيانًا الكترونيًا مدنيًا مستقلاً.. غير تابع لأي تيار سياسي أو فكرى.. يهدف للآتي:
1- الاعتراف بالاعتداءات المتبادلة بين الشعبين المصري والجزائري.. كل منهما على الآخر.. والوقوف على الحياد قدر الإمكان.
2- تضميد الجراح ورأب الصدع الذي خلفته الأزمة سالفة الذكر.. وفتح صفحة جديدة بين الشعبين الشقيقين.
3- تقريب وجهات النظر بين الجانبين المصري والجزائري.. على المستويين الرسمي والشعبي.
4- إدانة كل من يثبت تورطه في إشعال نيران الأزمة على الجانبين.
تاريخ الأمازيغ في مصر 2758 عامــا من العزلة «1 » ه
ملف يحققه : يوسف عبد ربه
ذهبت إلي عالمهم في واحة سيوة وعدت بالحكاية كاملة:
كانت مفاجأة لي- وللعديدين- حين علمت بأن هناك أمازيغ في مصر.. كانت البداية في الخبر الذي أطلقه الناشط القبطي المهجري عدلي أبادير علي الإنترنت، والذي يعتزم بموجبه إرسال دعوة للأمازيغ في مصر لمشاركته في المؤتمر الذي ينظمه حول "الأقليات في مصر".. اختزنت الخبر في ذاكرتي، علي أن يكون أحد الموضوعات المطروحة علي أجندتي للبحث فيما بعد.. لكن لم تمر إلا أيام قلائل ووجدت ردا علي تلك الدعوة منشورا في إحدي الصحف القومية علي لسان "أماني الوشاحي".. وهي سيدة أمازيغية الأصل، وترجع أصولها إلي أمازيغ المغرب.. وشاءت الظروف أن تلقي بها علي الساحة لتتحدث باسم أمازيغ مصر.. بحثت عن وسيلة للاتصال بها حتي التقيتها.. وتحدثت معها عن الأمازيغ في مصر والمنطقة، فقالت لي إن تعداد الأمازيغ في العالم يتجاوز 32 مليون نسمة، منهم 21 ألف أمازيغي في مصر يقطنون في مدينة سيوة.. تحكمهم عادات وتقاليد وأحكام تتجاوز في كثير من الأحيان مرتبة الدين والقانون.. وراحت المؤشرات تدعم كلامها نظريا حين استضافتني في بيتها وأطلعتني علي مكتبة زاخرة بالمعلومات عن دولة الأمازيغ التي يؤرخ لها بـ950 عاما قبل الميلاد.. والتي امتدت إلي مصر في عهد الملك "رمسيس الثالث" حتي استولي الأمازيغ علي حكم مصر علي يد زعيمهم "شيشينق الأول".. لكن مع مرور الزمن سقط هذا الحكم وانحصر أمازيغ مصر وتحوصلوا في واحة سيوة منذ حوالي 2758 .. وبقوا حتي الآن.. بعاداتهم .. وتقاليدهم .. ولغتهم الأمازيغية.. لم يكن من السهل أن أترك موضوعاً كهذا دون أن أحقق فيما يتردد حوله.. خاصة قضية انتمائهم العرقي الذي يتجاوز الانتماء للدين والوطن.. تدعم هذا الأمر واقعة شهيرة في السبعينيات من القرن الماضي، سببت أزمة سياسية بين مصر وليبيا، حين أعلن الرئيس معمر القذافي رغبته في ضم واحة سيوة إلي ليبيا بسبب القرب المكاني والجذور الأمازيغية التي ينتمي إليها سكان ليبيا وواحة سيوة.
..كان لي صديق- تعرفت عليه منذ فترة ليست طويلة- يدعي "حسين البدري" .. من أهالي مرسي مطروح .. طرحت عليه أمر السفر إلي مدينة سيوة للتحقيق في الأمر، فعرض علي مساعدته من خلال معارفه في مدينة "سيوة" .. لكني كنت قد اتخذت إجراءات السفر بالفعل صبيحة اليوم التالي وبات الوقت ضيقا للاتصال بمعارفه.. فما كان منه إلا أن اتصل ليلا بصديق له من "سيوة" يدعي "عمر حمزة" يعمل مفتش آثار في مدينة "سيوة" وطلب منه مضايفتي .. فوجده في إجازة عمل يقضيها في مرسي مطروح.. إلا أن الأخير طلب من صديقي التمهل حتي الصباح ليتحدث إلي صديق له من "سيوة" ليكون في استقبالي.
خرجت في صباح يوم السبت 20 من سبتمبر الماضي ولا أعرف شيئا عن مستقبل رحلتي إلي "سيوة" إلا أن رحلة الذهاب ستستغرق 11 ساعة تقريبا.. لا أعرف أين سأقيم؟ ..ولا بمن سألتقي؟.. أشعر بأني سأكون ضيفا ثقيلا علي أناس لا أعرف عنهم ولا يعرفون عني شيئاً .. كنت أتساءل أثناء وجودي في الأتوبيس عما سأفعل عقب وصولي.. وكان من المقرر أن أصل مع حلول منتصف الليل.. وفجأة اتصل بي صديقي "حسين".. وكنت قد اقتربت في رحلتي من "مرسي مطروح" في طريقي إلي سيوة.. وأخبرني بأن "عمر" وجد من سيكون في استقبالي وعلي الاتصال به لأخذ بيانات الرفيق الجديد في رحلتي.. فاتصلت به.. وإذا به يخبرني باسم ورقم تليفون صديق- سوف أحتفظ باسمه حتي لا أتسبب له في حرج نتيجة ما سأفصح عنه فيما بعد- وهو شاب من "سيوة" ذو جذور أمازيغية.. وقد رافقني في رحلتي حتي رحلت عن المدينة بعد 3 أيام قضيتها بين شيوخ القبائل وأهل المدينة والمزارات السياحية.
عندما وصلت إلي مدينة "سيوة" في منتصف الليل تقريبا، وجدت رفيقي في استقبالي علي المحطة.. وبحفاوة بالغة..ووجه بشوش.. ورداء أبيض اللون.. التقاني رفيقي وكأنني علي معرفة مسبقة به منذ سنين طويلة.. ثم قال لي: "نحن علي مقربة من الفندق الذي ستقيم به.. تستغرق 10 دقائق سيرا علي الأقدام ودقيقتين إذا ركبنا وسيلة مواصلات.. فأيهما تفضل؟ الزمن الذي تستغرقة لتقطع مدينة "سيوة" من الشرق إلي الغرب أو من الشمال إلي الجنوب دقائق معدودة، فهي مدينة صغيرة جدا لا يتجاوز تعداد سكانها 30 ألف نسمة، بما تبعها من قري وقبائل.. وجدت نفسي أقول لزميلي: دعنا نسير كي أتعرف علي المدينة.. فكان أول شئ إشار إليه قسم شرطة مدينة "سيوة" وأخذ يحكي عنه العديد من الروايات التي تحمل كثيراً من الانتهاكات والتجاوزات في حق المواطنين وكان أشدها قسوة هو التعذيب الذي تعرض لها أحد المواطنين العام الماضي وتم تسفيره خارج البلاد للتعتيم علي الجريمة.. وبعد قليل من السير أشار إلي مسجد الملك وهو المسجد الذي أنشأه الملك فؤاد في منتصف المدينة تقريبا.. ثم مدينة "شالي" وهي مدينة قديمة جدا، يرجع تاريخها الي ما بين 200 الي 300 سنة- كما تروي الحكايات الشعبية المتداولة بين الأهالي- وقد أقامها ساكن المنطقة من الأمازيغ لرد هجوم العرب علي المدينة لسرقة ما بها من زراعات ومحاصيل.
كان من اللافت لي أن كل من التقيتهم في سيري من الرجال ولم ألتق أي سيدة علي الإطلاق.. وقد ظننت في أول الأمر أن هذا يعود لتأخري، فالساعة كانت تقترب من الثانية عشرة ليلا..لكن ما استوقفني في حينه هو مستوي التدين الشكلي الذي يغطي وجوه سكانها.. فما التقيت رجلا ولا شابا إلا وقد أطلق لحيته حتي توقفت عن التمدد..وما التقيت رجلا وشابا إلا وجدته مرتديا ثوبا أبيض يغلق عليه بغطاء الرأس.. وبعد 10 دقائق تقريبا كنت قد وصلت إلي الفندق.. فحجزت غرفة وصعدت إليها.. فلم أجدها أكثر من أربعة جدران تمتد عليها ثلاثة أسرة وسقف معلق به مروحة.. فلم أقبع فيها كثيرا، حتي استبدلت ملابسي وغسلت يدي ووجهي ونزلت إلي زميلي الذي كان في انتظاري.
وطوال كلامي معه كان يحاول التأكيد دوما علي مصريته وأن مسألة الانتماء العرقي لا تنتقص من انتمائه لمصر، وهو ما كان يشعرني بأن هناك شيئا ما في القضية <
حكاية الدولة المجهولة من مرسي مطروح إلي المغرب العربي
تشيعوا كرهاً في الأمويين وعادوا للمذهب السني بعد سقوط الدولة الفاطمية
قصة الملكة الأمازيغية التي هزمت الجيوش العربية وحكاية كراهية عمرها 1300 سنة مع العرب
السكان والجغرافيا والتاريخ
الامازيغ هم سكان شمال أفريقيا الاصليون قبل الفتح العربي، ويرجع وجودهم في شمال أفريقيا إلي أكثر من 20 ألف سنة، ويمتد وجودهم عرضا من مدينة سيوة شرقا حتي جزر كناري غربا، مرورا بليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا .. وطولا: من حدود جنوب البحر المتوسط شمالا حتي صحراء أفريقيا الكبري جنوبا، حيث مالي والنيجر وبوركينافاسو.. ويبلغ تعدادهم حاليا أكثر من 32 مليون نسمة، يتمركز 30 مليوناً منهم في موطنهم الاصلي شمال أفريقيا و2 مليون في 9 دول أوروبية منها فرنسا وبلجيكا وإسبانيا وهولندا.. ويوجد 21 ألفًا في مدينة سيوة المصرية، وعدة آلاف متناثرون في أمريكا الجنوبية خاصة كوبا.. واستنادا لكتابات المؤرخ وعالم الاجتماع الأمازيغي "ابن خلدون" فإن نسب الأمازيغ يعود إلي "أمازيغ بن كنعان بن حام بن نوح" الذي سكن شمال أفريقيا بعد الطوفان، وكلمة امازيغ تعني "الآنسان الحر" وقد انجب امازيغ بن كعنان ولدين "بتر" و"بارنس" ومن نسلهما خرج الشعب الأمازيغي، وينفي "ابن خلدون" نسب الأمازيغ إلي اصول عربية، فهم من نسل "حام" والعرب من نسل "سام" فكيف يكون الأمازيغ من أصول عربية، كما أن هناك دراسات حديثة تفيد بأن اقدم الشعوب فوق الارض 32 شعبًا منها الامازيغ، حيث لم يكن العرب قد ظهروا إلي الوجود انذاك.
ومن الأمازيغ الذين هم ليسوا من نسل أمازيغ بن كنعان قبيلة بني صمغون، جنوب غرب الجزائر، حيث إن جدهم الأكبر من اليهود الفارين من بيت المقدس بعد غزو الملك البابلي "نبوخذ نصر" ومقتل النبي زكريا، وقد لجأ هذا اليهودي مع أولاده إلي شمال أفريقيا وعاشوا بين الأمازيغ وظلوا علي يهوديتهم حتي دخول العرب، فاعتنقوا الإسلام .. ويقال إن أصل الاسم شمعون، إلا أنه ينطق باللغة الأمازيغية "صمغون".
الأمازيغ والعرب
كان دخول العرب شمال أفريقيا "بلاد الأمازيغ" مرتبطا بنشر الإسلام عام 64 هجرية، وكما يري الأمازيغ فإن العرب ابتعدوا عن روح الإسلام السمحاء وحكموا كعرب وكأمويين..ومع وصول القائد العربي عقبة بن نافع الفهري بدأ العصر العربي في شمال أفريقيا، فقد أعاد بناء مدينة القيروان - في تونس حاليا- واتخذها عاصمة سياسية وعسكرية لقواته، وفي عهد القائد العربي أبوالمهاجر بين دينار اكتملت الفتوحات العربية في شمال أفريقيا حتي وصلت إلي مدينة تلمسان - في الجزائر حاليا- وحدث أول احتكاك عسكري مع الأمازيغ بقيادة الملك "كسيلة" زعيم قبيلة "أوربة" وكان وثنيا، إلا أن العرب هزموه وأسروه، ولما كان القائد العربي أبو المهاجر دينار بعيد النظر، فقد أكرم الملك الاسير وعامله معاملة طيبة، وكان هدفه من وراء ذلك، شرح قلب الأمازيغ إلي الإسلام، مما نتج عنه اعتناق الملك "كسيلة" وعدد كبير من الأمازيغ للاسلام ، لكنه ارتد عن الإسلام بعد عودة عقبة بن نافع وحارب العرب وقتل في معركة معهم قرب قلعة "ممش" في المغرب حاليا- مع عدد كبير من جنوده وصفوة رجاله سنة 686 ميلادية.
الملكة التي هزمت الجيوش العربية
جانب آخر من احداث الفتح العربي لشمال أفريقيا.. "كاينا" ملكة الاوراس وهي ابنة الملك "أمدغاسين" وكانت يهودية، والتي يطلق عليها العرب الكاهنة، وهي لم تكن تعمل بالكهانة لكنه تحريف للاسم، وكانت زعيمة قبيلة "جراوة "التي حشدت جيشا ضخما من الأمازيغ وتصدت للجيش العربي بقيادة القائد العربي حسان الغساني، وحدثت بين الجيشين معركة "وادي مسكيانة" شرق الجزائر وانتصر الأمازيغ في هذه المعركة وقتل حسان الغساني علي يد الملكة "كاينا"، إلا أن انتفاضتها انتهت بقتلها في إحدي المعارك علي يد القائد العربي "أبوالمهاجر دينار".
ويدخل ضمن احداث الفتح العربي لشمال أفريقيا البطل الأمازيغي "ميسرة المطغري" وهو شاب ينحدر من عائلة فقيرة وكان أبوه سقاء مياه، ويعد ميسرة من الصفرية- فرع من الخوارج- وكان قائد الثورة الأمازيغية في عهد الخليفة الاموي هشام بن عبد الملك، وقتل في ميدان المعركة في وادي "سبو" قرب مدينة "طنجة" المغربية علي يد القائد العربي "كلثوم بن عياض" سنة 123 هجرية...تلك الاحداث جميعها استقرت في نفس الشعب الأمازيغي وأدت إلي حساسية مفرطة في العلاقة بين الأمازيغ والعرب مازالت قائمة حتي الآن، لدرجة ان البعض صورها علي انها نوع من العداء التاريخي الذي لا يمكن ان يمحوه الزمن بمقتضي ما هو وارد في الادبيات الأمازيغية.
شعب يحتكم إلي موروثه إذا تعارض مع الدين
معظم الأمازيغ مسلمون سنة، علي مذهب الإمام مالك بن أنس، وهناك أقلية إباضية "إحدي فرق الخوارج" وأقلية كاثوليكية- الطائفة الدوناتية نسبة إلي القديس دوناتوس الأمازيغي مؤسس هذا الفكر- وأقلية يهودية، ويعتمد المسلمون الأمازيغ -سنة وإباضية- تفسير ابن كثير للقرآن الكريم لأسباب عرقية، لأن ابن كثير أمازيغي، وقد كان تلميذا للإمام مالك بن أنس، وربما لهذا السبب أيضا يعتنق المسلمون الأمازيغ المذهب المالكي، وتعلو النزعة العرقية بين الأمازيغ علي النزعة الدينية، وهو ما تسبب لهم في اتهامات عديدة بسطحية الانتماء الديني سواء بالنسبة للإسلام أو المسيحية أو اليهودية، خاصة أن الثقافة الأمازيغية تعطي أولوية للموروثات التشريعية الأمازيغية إذا تعارضت مع النصوص الدينية، وعلي سبيل المثال، فإن الأمازيغ يرفضون تعدد الزوجات ويساوون في الميراث بين الرجل والمرأة.. ومثال آخر، فإن المسيحيين الأمازيغ يحللون الطلاق علي الرغم من أن الشريعة المسيحية خاصة الكاثوليكية تحرمه، وهذا يعود لأن الثقافة الأمازيغة تبيح الطلاق والزواج أكثر من مرة.
الدين والسياسة
تنسب الدولة العبيدية إلي عبيد الله المهدي، الذي يعود نسبه إلي الإمام إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق، الذي رفض الشيعة الجعفرية إمامته، أما الذين صدقوا بإمامته عرفوا فيما بعد بالشيعة الإسماعيلية، وقد قاد عبيد الله المهدي حركة ثورية إسماعيلية في بغداد، إلا أنه تعرض للاضطهاد علي يد العباسيين ففر ورفاقه إلي بلاد الأمازيغ -شمال أفريقيا- وقد سبقه اليها احد رجاله -أبوعبد الله الشيعي- الذي كان له دور مهم جدا في نشر الفكر الشيعي الإسماعيلي بين الأمازيغ خاصة قبيلة "كتامة"، مما ساعد عبيد الله المهدي فيما بعد لإقامة دولته الشيعية الإسماعيلية بين الأمازيغ وعلي ارضهم سنة 297 هجرية - 908 ميلادية وأسس مدينة "المهدية" لتكون عاصمة له، ويعد الخليفة المعز لدين الله رابع خلفاء الدولة العبيدية وأول خلفاء الدولة الفاطمية واشهر خلفاء هذه الدولة.
وظل الفكر الشيعي الإسماعيلي منتشرا بين الأمازيغ مئات السنين إلي أن عادوا مرة أخري إلي المذهب السني بعد سقوط الدولة الفاطمية.
لقد كان الشعب الأمازيغي مهيئاً لنصرة المذهب الإسماعيلي لان التشيع منذ نشأته اتخذ صبغة مضادة للأمويين، والذين كان الأمازيغ يكرهونهم اشد الكره، فكما اعتمد الفكر الشيعي في المشرق علي الفرس، اعتمد في المغرب علي الأمازيغ.
لغة خاصة
يتحدث الشعب الأمازيغي لغة خاصة بهم وتسمي "الأمازيغية"بطبيعة الحال.. يتفرع عن الأمازيغية حوالي 13 لهجة، تتحد جميعها في القاعدة اللغوية المشتركة ويمكن للناطق بإحدي اللهجات الأمازيغية أن يتعلم لهجة اخري في ايام قليلة.. وقد تم اعتماد لهجة الطوارق رسميا في المنظومة العامة للتعليم والثقافة والاعلام باعتبارها اقرب اللهجات للأمازيغية الصحيحة .. ومن أهم اللهجات الأمازيغية "الطارقية" وهي في دول النيجر ومالي وبوركينافاسو.. و"الريفية" و"السوسية" و"الاطلسية" و"التشليحية" في المغرب... و"القبائلية" و"الشاوية" و"الميزابية" و"الطارقية" أيضا في الجزائر .. و"الزوارية" و"الجبالية" و"الغدامسية" في ليبيا .. و"الغوانشية" في جزر كناري.. "السيوية" في مصر.. وعلي الرغم ان العربية والأمازيغية تمازجتا في شمال أفريقيا وخرجت منهما اللهجات الدارجة في تونس والجزائر والمغرب، إلا ان القواعد اللغوية لهذه اللهجات الدارجة أمازيغية بحتة، وعلي سبيل المثال لا يوجد في اللغة الأمازيغية مثني ولكن يوجد مفرد وجمع فقط، واللهجات الشمال افريقية لا يوجد بها مثني بينما يوجد المثني في اللغة العربية، هذا ولم تنل اللغة الامازيغية حقها في الاهتمام الاكاديمي علي مر السنين.
عيدً رأس السنة الأمازيغية
يحتفل الشعب الأمازيغي ليلة 13 يناير برأس السنة الأمازيغية ويطلقون علي هذا العيد القومي "أسكاس أمينو" يعني السنة الجديدة، ويعد هذا العيد أشهر الاعياد الأمازيغية علي الاطلاق، حيث يعد عطلة رسمية في المغرب وموريتانيا والولايات الأمازيغية في الجزائر، وهذا العيد له طقوس خاصة للاحتفال به، حيث تقام ليلة العيد الولائم ويتجمع عليها الاهل والاقارب، وتتكون هذه الولائم من الاكلات الشعبية الأمازيغية، مثل الكسكسي بالخضروات والعسل الابيض بالتين المجفف والزبيب والشاي الاخضر، كما يقدم أيضا الديك الرومي وإن كان تقديمه عاده غير أمازيغية أخذها الأمازيغ عن الرومان، ويتم استقبال الضيوف بأكواب اللبن، وأشهر طقوس هذا الاحتفال بإشعال النار، التي تمثل النور والامل في الثقافة الأمازيغية..وفي صباح يوم العيد، تتزين النساء والرجال، ويخرجون للاحتفال في الأماكن العامة.
والسنة الأمازيغية هي سنة شمسية، تتكون من 12 شهرًا وهي توازي الشهور الميلادية، وهي يناير، خبراير، ماغريس، أيقرير، ماقو، يونيو، يوليوز، غشت، شوتمبر، توبر، دونمبر، دوجمبر، ..ويبدأ التقويم الأمازيغي باعتلاء الملك الأمازيغي "شيشينق" الأول عرش مصر سنة 950 قبل الميلاد وهو الفارق بين التقويم الأمازيغي والتقويم الميلادي، حيث إن سنة 2008 ميلادية توافق سنة 2958 أمازيغية.
التاريخ يحركه المطربون أحيانا
ينقسم الشعب الأمازيغي إلي أمازيغ الريف وهم يقطنون شمال غرب المغرب، ويتحدثون اللهجة الريفية واللهجة الزناتية وهم الذين خاضوا معركة "أنوال" الشهيرة سنة 1921 أمام الاحتلال الإسباني علي المغرب، ومن مشاهيرهم الأمير محمد عبدالكريم الخطابي -الزعيم الأمازيغي المغربي- .. وأمازيغ "الشلوح" يقطنون وسط وغرب الاطلس الكبير وكذلك في الاطلس الصغير في المغرب، وتستخدم في تلك المناطق اللهجة الشلوحية
أمازيغ "سوس" وهم يقطنون سهل سوس في المغرب الذي يعرف قديما باسم مملكة جزولة، ويستخدمون اللهجة السوسية.. وكذلك أمازيغ القبائل الذين يقطنون شمال وشرق الجزائر وأهم مدنهم "تيزي وزو" التي تعد معقل الحركة الانفصالية الأمازيغية التي يتزعمها حاليا المطرب الأمازيغي القبائلي فرحات مهنا ويتحدثون اللهجة القبائلية .. ومن مشاهيرهم المطرب العالمي "إيدير" والمطرب الراحل " معتوب لوناس" والقديس " أوغستين" أحد آباء الكنيسة الكاثوليكية و"لوكيسوس أبوليوس" صاحب رواية الحمار الذهبي التي تعد أول رواية في التاريخ.. وأمازيغ الاوراس، وهم يقطنون شرق الجزائر قريبا من الحدود التونسية بجوار الاوراس ويتحدثون اللهجة الاوراسية ومن مشاهيرهم الملك "أمدغاسين" وابنته الملكة "كاينا".. وامازيغ الطوارق ويقطنون جنوب الجزائر وأجزاء من ليبيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو ويتحدثون اللهجة الطارقية، ومن الجدير بالذكر انهم يتعرضون في النيجر لحرب إبادة واضطهاد عرقي.
"يوبا الثاني"موحد القبائل
للأمازيغ حضارة عريقة يقدرونها هم أنفسهم ب 20 ألف سنة.. لهذا فإن تاريخ الأمازيغ حافل بعدد كبير من الاحداث والوقائع والشخصيات التي قدمت لهذا العرق الكثير، مما جعلهم يؤرخون لما قدمته تلك الشخصيات:
يأتي في مقدمة تلك الشخصيات، الملك "يوبا الثاني" موحد القبائل الأمازيغية الغربية "مملكة موريا وهي موريتانيا والمغرب حاليا" وأنشأ حكمًا ديمقراطيا نيابيا واتخذ عاصمتين "شرشال" و"ليلي" وقد اهتم يوبا الثاني ومن بعده ابنه بطليموس بالجانب العلمي والفكري والثقافي، وكانت له مؤلفات كثيرة ومنها "تاريخ بلاد العرب" و"آثار آشور" و"آثار الرومان القديمة" و"تاريخ المسارح" و"منابع النيل" و"تاريخ الرسم والرسامين".. كما وضع كتابا في قواعد النحو الأمازيغي وقد امتد حكمه لمدة عامين من 25- 23 قبل الميلاد، إلا أنه قد خدم الثقافة الأمازيغية.
القديس "أغسطين" وولد بمملكة نوميديا - الجزائر حاليا- من أم مسيحية وهي القديسة "مونيكا" وأب وثني. سافر إلي روما لدراسة الفلسفة اليونانية، وبعد عودته إلي نوميديا سنة 388 ميلادية أنشأ ديرًا وسار يبشر بين الشعب بعد أن تنصر وهو في الثالثة والثلاثين من عمره، وفي ظرف 9 سنوات وصل لرتبة الأسقف، وكرس حياته للكنيسة والتأليف الديني ومن أشهر كتاباته "اعترافاتي " والذي يعد أول كتاب في أدب الاعترافات في تاريخ الإنسانية، كما كتب أيضا "مدينة الإله" و"اعترافات التوبة" و"المراسلات".. وقد كان القديس "أغسطين" متعاطفا مع الأمازيغ ويدافع عن هويتهم العرقية، وقد انتهت حياته بالاستشهاد في 9 أغسطس 430 ميلادية وهو التاريخ الذي تحتفل به جميع الكنائس الكاثوليكية في العالم، وقد مات وهو يدافع عن مدينته عنابه ضد الغزاة "الوندال" الألمان القدماء.
"العباءة" فرض علي المرأة
تعد العباءة السيوية هي الرداء الرسمي لجميع السيدات السيوية، أما الفتيات اللواتي لم يتزوجن بعد فلهن أن يرتدين ما شئن من الملابس، بشرط ألا تظهر أي جزء من جسدها، ولذا تجد النقاب منتشرا بين الفتيات التي لم تتزوج بعد، علي أساس أن النقاب هو أقرب الملابس إلي العباءة السيوية.. العباءة السيوية عبارة عن قطعة قماش طويلة.. خفيفة الكثافة.. لونها رمادي في أغلب الحالات.. مصنوعة من القطن للتخفيف من وطأة درجة الحرارة المرتفعة..يتوسطها خط أحمر بمثابة حزام ..وتباع بمبلغ 250 جنيهًا.. لا يجوز لأي امرأة سيوية أن تخرج إلي الشارع دون ارتداء تلك العباءة، ولها أن ترتدي تحتها ما شاءت من الملابس، وفي الغالب تكون "جلبية" ذات ألون زاهية..ومن العيب أن تخرج المرأة بأي زي يحمل ألوانا غير الأسود والرمادي، لأنه ينظر إليه علي أنه ليس من الحشمة.. كما يأخذ علي المرأة أن تخرج إلي الشارع بمفردها، إلا أن يكون معها زوجها، ويتخذون من.. وسيلة للانتقال إلي حيث يقصد الرجل وزوجته حتي لا يكونا عرضة لأنظار الناس إذا ما ساروا علي الأقدام.. كما تحرص المرأه أن تغطي وجهها ب....وفي الغالب يكون لونه أسود، ومن لم يكن لديها، فعليها أن تغلق فتحة العباءة من أعلي علي وجهها بحيث لا يراه أحد.
الهوية علي ثوب قماش
أهم ما يميز لبس الرجل الأمازيغي خاصة في دول شمال أفريقيا... "السلهام" وهو ما يطلق عليه العرب الجلباب والبورنس، المنتشر في المملكة المغربية.. و"الوشاح" وهو قماشة طويلة تلف حول الرأس وذلك لمقاومة عوامل التعرية.. و"الجلابة" وهي تشبه الجلابية المصرية والجلباب العربي وهي منتشرة بين الموريتانيين والطوارق ولكن بطراز مختلف.. و"الجرد" وهو عبارة عن قماشة مستطيلة تلف حول الجسد وهي منتشرة في سيوة وليبيا.. و"العباءة" وهي منشرة في تونس والجزائر.
الخطوبة والزواج
كان -ومازال- هناك تحفظ شديد علي زواج بنات القبائل من خارج قبائل سيوة، ومن الشائع خطوبة الفتيات في سن 8 و9 سنوات، حتي أن الخطوبة قد تحدث في كثير من الحالات بمجرد مولد الفتاة، علي أن تتم قراءة الفاتحة وتحجز الفتاة- بمقتضي هذا العقد العرفي- للشاب حتي يصل إلي سن الزواج .. ولذا فإن معدل فترة الخطوبة دائما ما تمتد إلي 10 سنوات وأكثر.. ليس من حق الشاب أن يري خطيبته علي الإطلاق، مهما طالت فترة الخطوبة، ويقتصر أمر لقائهما في العيدين فقط "عيد الفطر وعيد الأضحي" علي أن يكون لقاؤهما في حضور والدها أو أخيها ولا يكون بينهما أي حديث ويقتصر اللقاء علي المصافحة فقط وتقديم واجب الضيافة من المشروبات..كانت مراسم الزواج تمتد لمدة 7أيام، لكنها اختزلت الآن في 3 أيام فقط، علي أن ينتقل جميع أقارب العروس إلي بيت العريس والعكس، ويكون واجب الضيافة هو تقديم الطعام لهم لمدة الـ 3 أيام دون انقطاع، كما كان من الشائع في الماضي أن يتم الاحتفال بالموسيقي والأغاني، لكن مع انتشار الفكر السلفي توقف هذا الأمر وبات بينهم محرما.. وتنحو العلاقة بين القبائل في سيوة إلي عدم المغالاة في المهور، ولذا يعاني المجتمع السيوي من ارتفاع نسبة الطلاق.. كما يحق للرجل أن يكون علي ذمته أكثر من امرأة، علي عكس عادات الأمازيغ في دول الشمال الأفريقي التي تمنع وجود أكثر من مرأة علي ذمة الرجل، احتراما لمكانتها ودورها في المجتمع.
أفضل الأكلات
تعتبر "المخمخ" واحدة من أهم الأكلات التي تعتز بها القبائل، وهي نفسها أكلة "الرجلة" التي كانت منتشرة منذ فترة ليست ببعيدة في ريف الوجه البحري، وتعتمد في طبخها علي نبات "الرجلة" الذي ينبت بشكل عشوائي بين الزراعات في فصل الشتاء.. كذلك "التجلان التيني" وهي تتكون من الدقيق والبلح وزيت الزيتون، ويعتبرونها من أغني الأكلات بالطاقة التي يحتاجها الجسم عند العمل.. و"المقطعة" التي تتكون من الدقيق واللبن والسمن البلدي.. لكن معظم هذه الأكلات قل الاهتمام بها نظرا لأنها تحتاج لمجهود كبير في عمليات إعدادها، واستسهل أهل سيوة الأكلات المتداولة الآن، والتي لا تنسب لهوية أو أصل معين
------
حمودة عمران: مَن أيدوا انضمام سيوة إلي ليبيا «قلة».. ونحن مصريون حتي النخاع
«قيدوم» أمازيغ سيوة في حوار حول التاريخ والجغرافيا وحكايات الأجداد في الواحة
الملك فاروق أفطر معنا بعد أن اشتري من والدي السجائر في رمضان ولم يكن يعرفه أحد .. والسادات ربطنا بالعمران.. ومبارك جاء عام 1996
الشيخ "حمودة عمران " واحد من كبار الشخصيات في عالم الأمازيغ، ويتبعه أناس كثيرون، ولا يتحرك منهم أحد إلا بعد مشورته، كما أشار لي الناس هناك.. وبالفعل كنت عند صديقي في الموعد المحدد، فاصطحبني إلي بيت الشيخ العجوز.. وهو بيت واسع جدا، بني علي مساحة يحدها سور طويل، وتستغل المساحات الواسعة المتبقية داخل حرم السور لتجميع الزيتون وتخزينه.. عندما دخلت من الباب الرئيس للبيت وجدت الرجل جالسا علي عتبته بجلبابه الأبيض الناصع.. ولحيته التي لا يختلف لونها كثيرا عن لون الجلباب..وبحفاوة شديدة مد يده- وهو جالس- يسلم علي زميلي ثم علي.. ثم نهض من جلسته، وإذ أجده منحني الظهر ويسير ببطء شديد، فتذكرت علي الفور البابا يوحنا بولس الثاني- بابا الفاتيكان الراحل- لشدة الشبه بين حركتيهما وأسلوب سيرهما، وقد عرفت فيما بعد من زميلي أنه مصاب بالغضروف منذ زمن.
جلست إلي الرجل الكهل.. فعرفته بنفسي وتعرفت عليه.. وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث، وعندما شرعنا في إجراء الحوار توقف الرجل فجأة وطلب مني تأجيل الحوار حتي بعد الإفطار لأنه صائم ولا يستطيع أن يتكلم في ظل الصيام.. ذهبت.. ثم عدت إليه مرة أخري ليلا، فكان استقبال الليل أكثر حفاوة من استقبال النهار.
> جلست إلي الرجل العجوز في المربوعة "غرفة بدوية مخصصة لاستقبال الضيوف" وسألته سؤالا أكاد أكون أعرف إجابته مسبقا: هل التقيت أياً من الرؤساء؟
ــ قال الرجال: لقد جاء هنا معظم الرؤساء تقريبا..الملك فاروق.. الرئيس السادات.. والرئيس مبارك والتقيت بعضهم ورأيت البعض الآخر.
> هل كانت هناك مناسبات معينة لزياراتهم؟
ــ أول من جاء إلي سيوة كان السلطان عبد الحميد، وذلك في أعقاب سفرية كان يقوم بها عبر البحر.. وكان أعداؤه قد أجهزوا عليه ووضعوا له "السم" في القهوة التي طلبها وهو في مركبه، وعندما أمسك بالفنجان.. وقع من يده.. ولما وصل إلي حيث يقصد رأي رؤية.. بأن رجلا جاء إليه وأبلغه أن القهوة التي كان سيحتسيها "مسمومة"، وهو الذي أسقطها من يده.. فسأله السلطان: مَنْ تكون؟.. فقال له: أنا سلطان "سيوة".. فقرر السلطان عبد الحميد زيارة سيوة وبناء مسجد بها.. وبالفعل جاء إلي هنا وذكر تلك الواقعة ووضع أساس المسجد الذي أطلق عليه مسجد الملك، لأن الملك فؤاد هو الذي استكمل بناءه.. أما الملك فاروق فكنا نسمع عنه فقط ولم يكن أحد قد رآه من قبل.. وجاء إلي هنا بــ «عربية جيب» وكان يرتدي "أفرول" ونضارة ومعه اثنان من الحرس، ووقف أمام دكانة والدي التي كانت أسفل "شالي" وسأله أحد الحارسين عن السجائر.. فأعطاه السجائر.. فأخذها الحرس وأعطاها للملك وهو يقول.."تفضل جلالة الملك".. فلم يصدق والدي وظل يحيه.. «عاش جلالة الملك».. ثم دع الملك كل من في البلد للعشاء في الجامع الكبير.. وكان ذلك في شهر رمضان.. أما بالنسبة للرئيس جمال عبد الناصر فلم يأت إلي هنا، بينما جاء الرئيس السادات وكان في عربته "الجيب" المكشوفة وأخذ يحيي الناس وجلس معهم في احتفال كبير حضره جميع أهل البلد ووقتها اتخذ قرار رصف الطريق بين سيوة ومرسي مطروح بسبب شكاوي الناس من بعدهم عن العمران.. وهكذا حضر الرئيس مبارك أيضا عام 1996.
> كم عدد سكان سيوة في فترة ما قبل الثورة؟
ــ كان عدد السكان في فترة ما قبل الثورة حوالي 6 آلاف، ثم ارتفع إلي حوالي 10 آلاف في فترة ما بعد الثورة.. وكان ـ ومازال حتي الآن ـ يحكمها العرف الذي توارثناه عن أجدادنا
> كم عدد القبائل في تلك الفترة؟
ــ عدد القبائل كان ـ ومازال ـ ثابتاً مع مرور الزمن، وهي 10 قبائل تقريبا.."الزناين" و"اللحمودات" و"الحدادين" و"أولاد موس" و"أغورمي" و"الجواسيس" و"الشرامطة" و"السراحنة" و"المراقي".
> من أين ينحدر العرق الأمازيغي في سيوة؟
ــ هذا أمر بعيد جدا يعرفه الآباء والأجداد.. فجذورنا تعود إلي دول الشمال، سواء كانت المغرب أو الجزائر أو تونس، وكل العائلات الموجودة في سيوة- دون العرب- تعود جذورها إلي تلك الدول، لكن مع مرور الزمن حدث انفصال وبدأت كل جماعة تنغلق علي الدولة التي تنتمي إليها.. إلا أن أقرب الناس إلينا هم الليبيون لأن أصلنا واحد ويتحدثون نفس اللغة.. وإن كان عدم التواصل بيننا تسبب في اختلافات بسيطة بين اللهجتين.
> ولمن كان الولاء ساعة الأزمات..لمصرأم للانتماء العرقي؟
ــ كان الانتماء لمصر ..وحتي الآن.. ولو سألت أي واحد في سيوة بعيدا عن أولاد علي- قبيلة كبيرة في سيوة ذات جذور عربية- سيقول لك:"مصر..مصر".. لكن ما تقصده ينطبق علي عرب مرسي مطروح، لأنهم قريبون جدا من ليبيا وبينهم علاقات ود ونسب .
> لماذا توجد حساسيات تاريخية بين العرب والأمازيغ في سيوة؟
ــ لم يكن هناك عرب في سيوة، لكن حدث أن استقر عرب- رحل- في منطقة المراقي ونطلق عليهم نحن، «أولاد علي»، وهم نوعان.."علي الأبيض" و"علي الأحمر" حسب لون الأفراد.. وهذا المسمي نسبة إلي جدهم الأكبر "علي".. وقد خرجت منهم قبائل عديدة، تسكن الصحراء وتتنقل باستمرار ولم يستقر منهم إلا أولاد علي في منطقة المراقي.
> وما سر الاحتقان الدائم بين العرب والأمازيغ..هل هناك بعد تاريخي لهذا الأمر؟
ــ لا يمكن تحديد سبب معين..ولكن ما يحدث في الانتخابات هو عملية تبادل أصوات، فنحن لا نعطي أصواتنا لمرشح أي قبيلة إلا إذا اتفقنا علي أن يعطونا أصواتهم في الانتخابات التالية ..هذا إذا كان لنا مرشح.. لكن واقع الأمر أن العرب دائما يسعون لجمع الأصوات لصالح مرشحهم دون مقابل..ومع ذلك يبقي أولاد علي هم أقرب العرب إلي السيويين.
> لماذا تنقسم "سيوة" إلي شرقية وغربية؟
ــ هذا ما خرجنا فوجدنا آباءنا وأجدادنا عليه..لكن لا أحد يعرف السر في ذلك.. فمنذ أن ولدت وجدت سيوة الشرقية والغربية، ويخرج هذا التقسيم أحيانا عندما تقع أزمة.. لكن مع ذلك فإن هذا التقسيم لم يعد في الاعتبار الآن، فالعلاقة بيننا باتت علاقة نسب وأهل.. وهم يتزوجون منا ونحن نتزوج منهم.
> ما حقيقة مدينة "شالي"؟
ــ هذه المدينة منذ قديم الزمان..وكان يحكي لي عنها والدي الذي عاش 91 سنة وعاصر الحياة بداخلها، قبل أن تتوسع "سيوة" بالشكل الذي هي عليه الآن.. فهذه المدينة يمتد عمرها لأكثر من 200 عام وأقامها الأجداد السيويون الذين كانوا يتحدثون اللغة الأمازيغية وحدها آنذاك علي ارتفاع شديد لرد هجوم العرب عليهم، وقد أحاطوها بسور كبير وبوابة ضخمة، لمنع دخول أو خروج أي فرد منها بعد حلول الظلام.. حتي البهائم والأغلال كان يتم إدخالها خوفا من سرقتها.
> متي تم اطلاق اسم سيوة علي المنطقة؟
ــ اسم سيوة.. اسم قديم جدا منذ أيام الفراعنة، وقد أطلق علي المدينة قبل أن تنشأ "شالي".. ولكن هذا الاسم كان للمنطقة بشكل عام ..أما اسم "شالي" فقد كان للمدينة التي أنشأها أجدادنا وهي تمثل جزءاً كبيراً من سيوة حتي يكاد لا توجد مبان في سيوة غيرها آنذاك.
> ماذا كان موقفكم عندما أعلن الرئيس معمر القذافي عن رغبته في ضم سيوة إلي ليبيا؟
ــ كان غرض القذافي هو ضم سيوة إلي ليبيا بسبب التقارب الذي حدث بين أهل سيوة والليبيين في الفترة التي أهملت فيها مصر هذه المنطقة، وبسبب وحدة اللغة بيننا، فكل منا يتحدث اللغة الامازيغية، مع اختلاف اللهجات، كما تعد سيوة هي أقرب مكان في مصر لليبيا .
> ما موقف السيويين من هذا الطرح آنذاك؟
ــ عن نفسي.. لم أكن مؤيدا للانضمام إلي ليبيا.
> لكن ما موقف البقية؟
ــ كانت هناك قلة ترغب في الانضمام إلي ليبيا بسبب اللغة والقرب المكاني.. لكن الأغلبية كانت تفضل البقاء تابعين لمصر ..وحتي يومنا هذا، نحن دائما نقول:"مصر..مهما حدث فينا".
> هل تشعر بأنكم ظلمتم عبر العصور؟
ــ سيوة تعبت.. وهي مظلومة ببعدها عن العمران.. لكني لا أري ظلما قد وقع عليها من الحكام.
> البعض من أبناء "سيوة" مازال يتمني لو تعود إلي عزلتها عن العالم كما كانت في الماضي للحفاظ علي هويتها وعرقيتها الأمازيغية..فهل تتفق مع هذا الاتجاه؟
ــ لا.. فالدنيا تغيرت الآن ..لقد كان يحكمنا في السابق العرف، أما الآن فقد دخل القانون وبدأ يأخذ مرتبة متقدمة عن العرف في العديد من المشكلات التي نواجهها...لقد كنا نحكم..فينفذ.. ولا أحد يستطيع الاعتراض علي الحكم...أما الآن فمن السهل أن أحكم ولا يرضي الخصم بحكمي فأتركه يذهب إلي قسم الشرطة.
> أيهما أفضل برأيك: دولة العرف أم دولة القانون؟
ــ الدولة سعت لتفكيك العرف.. وقد حدث إلي حد ما، فلم يعد هناك رجال كما كان في الماضي، بحيث نحكم فيكون الأمر نافذا.. ومع ذلك فإن العرف والقانون ظلا دائما علي تلك الأرض ومازلنا نأخذ بالعرف حتي الآن قبل أن نصل إلي القانون الذي يعد المرجع النهائي إذا فشلنا في التوصل إلي حل عرفي .. ويمكن القول إن القانون بدأ يأخذ مرتبة متقدمة عن العرف .
> علمت أن العقوبة الكبري بين القبائل هي "الجلد"..فهل هي مستقاة من العرف أم من الدين؟
ــ هذه العقوبة نابعة من العرف وليس لها أي علاقة بالدين .. وهي تطبق في حالات محددة، وتعد أكثر العقوبات وطأة علي الفرد والقبيلة التي ينتمي إليها.. ويتم ذلك من خلال مجلس عرفي يضم ممثلين لكل من القبيلتين المعنيتين بالمشكلة، وتطرح الواقعة علي الحضور ويتم الحكم علي الفرد حسب درجة الجرم..فقد تكون 40 جلدة أو 50 وقد تصل إلي 80 وقد تستبدل بالغرامة، إذا كان الفرد قادرا علي دفع المال.
> هل "الجلد" عقوبة لكل التجاوزات؟
ــ لا.. فهناك مشكلات لا يجوز فيها الجلد.
> هل من الممكن الجمع بين "الجلد" والغرامة معا؟
ــ لا.. العقوبة إما جلداً أو غرامة.
> هل هناك شروط معينة يجب أن تراعي في عملية الجلد؟
ــ نعم.. يجب أن يكون الحبل بسمك معين.. وطوله 6 أمتار تقريبا، ويتم طيه إلي 4 طيات، بحيث عندما تضرب تترك أثر 4 خطوط علي ظهر من يتم جلده.. وتتم عملية الجلد أمام الحاضرين، حيث يجرد الفرد من ملابسه- إلا القليل الذي يستر عورته- ثم ينبطح علي الأرض ويقوم أحد أفراد عائلته بعملية الجلد، إرضاء للطرف المتضرر.
> هل هناك سن معينة لتطبيق الجلد؟
ـــ طبعا..سن البلوغ، أما دون ذلك فيترك الأمر لوالد الفرد كي يؤدبه بمعرفته
------
غداً شيخ كبري القبائل:
نطالب التربية والتعليم بتدريس اللغة الأمازيغية لأبناء سيوه
كانت مفاجأة لي- وللعديدين- حين علمت بأن هناك أمازيغ في مصر.. كانت البداية في الخبر الذي أطلقه الناشط القبطي المهجري عدلي أبادير علي الإنترنت، والذي يعتزم بموجبه إرسال دعوة للأمازيغ في مصر لمشاركته في المؤتمر الذي ينظمه حول "الأقليات في مصر".. اختزنت الخبر في ذاكرتي، علي أن يكون أحد الموضوعات المطروحة علي أجندتي للبحث فيما بعد.. لكن لم تمر إلا أيام قلائل ووجدت ردا علي تلك الدعوة منشورا في إحدي الصحف القومية علي لسان "أماني الوشاحي".. وهي سيدة أمازيغية الأصل، وترجع أصولها إلي أمازيغ المغرب.. وشاءت الظروف أن تلقي بها علي الساحة لتتحدث باسم أمازيغ مصر.. بحثت عن وسيلة للاتصال بها حتي التقيتها.. وتحدثت معها عن الأمازيغ في مصر والمنطقة، فقالت لي إن تعداد الأمازيغ في العالم يتجاوز 32 مليون نسمة، منهم 21 ألف أمازيغي في مصر يقطنون في مدينة سيوة.. تحكمهم عادات وتقاليد وأحكام تتجاوز في كثير من الأحيان مرتبة الدين والقانون.. وراحت المؤشرات تدعم كلامها نظريا حين استضافتني في بيتها وأطلعتني علي مكتبة زاخرة بالمعلومات عن دولة الأمازيغ التي يؤرخ لها بـ950 عاما قبل الميلاد.. والتي امتدت إلي مصر في عهد الملك "رمسيس الثالث" حتي استولي الأمازيغ علي حكم مصر علي يد زعيمهم "شيشينق الأول".. لكن مع مرور الزمن سقط هذا الحكم وانحصر أمازيغ مصر وتحوصلوا في واحة سيوة منذ حوالي 2758 .. وبقوا حتي الآن.. بعاداتهم .. وتقاليدهم .. ولغتهم الأمازيغية.. لم يكن من السهل أن أترك موضوعاً كهذا دون أن أحقق فيما يتردد حوله.. خاصة قضية انتمائهم العرقي الذي يتجاوز الانتماء للدين والوطن.. تدعم هذا الأمر واقعة شهيرة في السبعينيات من القرن الماضي، سببت أزمة سياسية بين مصر وليبيا، حين أعلن الرئيس معمر القذافي رغبته في ضم واحة سيوة إلي ليبيا بسبب القرب المكاني والجذور الأمازيغية التي ينتمي إليها سكان ليبيا وواحة سيوة.
..كان لي صديق- تعرفت عليه منذ فترة ليست طويلة- يدعي "حسين البدري" .. من أهالي مرسي مطروح .. طرحت عليه أمر السفر إلي مدينة سيوة للتحقيق في الأمر، فعرض علي مساعدته من خلال معارفه في مدينة "سيوة" .. لكني كنت قد اتخذت إجراءات السفر بالفعل صبيحة اليوم التالي وبات الوقت ضيقا للاتصال بمعارفه.. فما كان منه إلا أن اتصل ليلا بصديق له من "سيوة" يدعي "عمر حمزة" يعمل مفتش آثار في مدينة "سيوة" وطلب منه مضايفتي .. فوجده في إجازة عمل يقضيها في مرسي مطروح.. إلا أن الأخير طلب من صديقي التمهل حتي الصباح ليتحدث إلي صديق له من "سيوة" ليكون في استقبالي.
خرجت في صباح يوم السبت 20 من سبتمبر الماضي ولا أعرف شيئا عن مستقبل رحلتي إلي "سيوة" إلا أن رحلة الذهاب ستستغرق 11 ساعة تقريبا.. لا أعرف أين سأقيم؟ ..ولا بمن سألتقي؟.. أشعر بأني سأكون ضيفا ثقيلا علي أناس لا أعرف عنهم ولا يعرفون عني شيئاً .. كنت أتساءل أثناء وجودي في الأتوبيس عما سأفعل عقب وصولي.. وكان من المقرر أن أصل مع حلول منتصف الليل.. وفجأة اتصل بي صديقي "حسين".. وكنت قد اقتربت في رحلتي من "مرسي مطروح" في طريقي إلي سيوة.. وأخبرني بأن "عمر" وجد من سيكون في استقبالي وعلي الاتصال به لأخذ بيانات الرفيق الجديد في رحلتي.. فاتصلت به.. وإذا به يخبرني باسم ورقم تليفون صديق- سوف أحتفظ باسمه حتي لا أتسبب له في حرج نتيجة ما سأفصح عنه فيما بعد- وهو شاب من "سيوة" ذو جذور أمازيغية.. وقد رافقني في رحلتي حتي رحلت عن المدينة بعد 3 أيام قضيتها بين شيوخ القبائل وأهل المدينة والمزارات السياحية.
عندما وصلت إلي مدينة "سيوة" في منتصف الليل تقريبا، وجدت رفيقي في استقبالي علي المحطة.. وبحفاوة بالغة..ووجه بشوش.. ورداء أبيض اللون.. التقاني رفيقي وكأنني علي معرفة مسبقة به منذ سنين طويلة.. ثم قال لي: "نحن علي مقربة من الفندق الذي ستقيم به.. تستغرق 10 دقائق سيرا علي الأقدام ودقيقتين إذا ركبنا وسيلة مواصلات.. فأيهما تفضل؟ الزمن الذي تستغرقة لتقطع مدينة "سيوة" من الشرق إلي الغرب أو من الشمال إلي الجنوب دقائق معدودة، فهي مدينة صغيرة جدا لا يتجاوز تعداد سكانها 30 ألف نسمة، بما تبعها من قري وقبائل.. وجدت نفسي أقول لزميلي: دعنا نسير كي أتعرف علي المدينة.. فكان أول شئ إشار إليه قسم شرطة مدينة "سيوة" وأخذ يحكي عنه العديد من الروايات التي تحمل كثيراً من الانتهاكات والتجاوزات في حق المواطنين وكان أشدها قسوة هو التعذيب الذي تعرض لها أحد المواطنين العام الماضي وتم تسفيره خارج البلاد للتعتيم علي الجريمة.. وبعد قليل من السير أشار إلي مسجد الملك وهو المسجد الذي أنشأه الملك فؤاد في منتصف المدينة تقريبا.. ثم مدينة "شالي" وهي مدينة قديمة جدا، يرجع تاريخها الي ما بين 200 الي 300 سنة- كما تروي الحكايات الشعبية المتداولة بين الأهالي- وقد أقامها ساكن المنطقة من الأمازيغ لرد هجوم العرب علي المدينة لسرقة ما بها من زراعات ومحاصيل.
كان من اللافت لي أن كل من التقيتهم في سيري من الرجال ولم ألتق أي سيدة علي الإطلاق.. وقد ظننت في أول الأمر أن هذا يعود لتأخري، فالساعة كانت تقترب من الثانية عشرة ليلا..لكن ما استوقفني في حينه هو مستوي التدين الشكلي الذي يغطي وجوه سكانها.. فما التقيت رجلا ولا شابا إلا وقد أطلق لحيته حتي توقفت عن التمدد..وما التقيت رجلا وشابا إلا وجدته مرتديا ثوبا أبيض يغلق عليه بغطاء الرأس.. وبعد 10 دقائق تقريبا كنت قد وصلت إلي الفندق.. فحجزت غرفة وصعدت إليها.. فلم أجدها أكثر من أربعة جدران تمتد عليها ثلاثة أسرة وسقف معلق به مروحة.. فلم أقبع فيها كثيرا، حتي استبدلت ملابسي وغسلت يدي ووجهي ونزلت إلي زميلي الذي كان في انتظاري.
وطوال كلامي معه كان يحاول التأكيد دوما علي مصريته وأن مسألة الانتماء العرقي لا تنتقص من انتمائه لمصر، وهو ما كان يشعرني بأن هناك شيئا ما في القضية <
حكاية الدولة المجهولة من مرسي مطروح إلي المغرب العربي
تشيعوا كرهاً في الأمويين وعادوا للمذهب السني بعد سقوط الدولة الفاطمية
قصة الملكة الأمازيغية التي هزمت الجيوش العربية وحكاية كراهية عمرها 1300 سنة مع العرب
السكان والجغرافيا والتاريخ
الامازيغ هم سكان شمال أفريقيا الاصليون قبل الفتح العربي، ويرجع وجودهم في شمال أفريقيا إلي أكثر من 20 ألف سنة، ويمتد وجودهم عرضا من مدينة سيوة شرقا حتي جزر كناري غربا، مرورا بليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا .. وطولا: من حدود جنوب البحر المتوسط شمالا حتي صحراء أفريقيا الكبري جنوبا، حيث مالي والنيجر وبوركينافاسو.. ويبلغ تعدادهم حاليا أكثر من 32 مليون نسمة، يتمركز 30 مليوناً منهم في موطنهم الاصلي شمال أفريقيا و2 مليون في 9 دول أوروبية منها فرنسا وبلجيكا وإسبانيا وهولندا.. ويوجد 21 ألفًا في مدينة سيوة المصرية، وعدة آلاف متناثرون في أمريكا الجنوبية خاصة كوبا.. واستنادا لكتابات المؤرخ وعالم الاجتماع الأمازيغي "ابن خلدون" فإن نسب الأمازيغ يعود إلي "أمازيغ بن كنعان بن حام بن نوح" الذي سكن شمال أفريقيا بعد الطوفان، وكلمة امازيغ تعني "الآنسان الحر" وقد انجب امازيغ بن كعنان ولدين "بتر" و"بارنس" ومن نسلهما خرج الشعب الأمازيغي، وينفي "ابن خلدون" نسب الأمازيغ إلي اصول عربية، فهم من نسل "حام" والعرب من نسل "سام" فكيف يكون الأمازيغ من أصول عربية، كما أن هناك دراسات حديثة تفيد بأن اقدم الشعوب فوق الارض 32 شعبًا منها الامازيغ، حيث لم يكن العرب قد ظهروا إلي الوجود انذاك.
ومن الأمازيغ الذين هم ليسوا من نسل أمازيغ بن كنعان قبيلة بني صمغون، جنوب غرب الجزائر، حيث إن جدهم الأكبر من اليهود الفارين من بيت المقدس بعد غزو الملك البابلي "نبوخذ نصر" ومقتل النبي زكريا، وقد لجأ هذا اليهودي مع أولاده إلي شمال أفريقيا وعاشوا بين الأمازيغ وظلوا علي يهوديتهم حتي دخول العرب، فاعتنقوا الإسلام .. ويقال إن أصل الاسم شمعون، إلا أنه ينطق باللغة الأمازيغية "صمغون".
الأمازيغ والعرب
كان دخول العرب شمال أفريقيا "بلاد الأمازيغ" مرتبطا بنشر الإسلام عام 64 هجرية، وكما يري الأمازيغ فإن العرب ابتعدوا عن روح الإسلام السمحاء وحكموا كعرب وكأمويين..ومع وصول القائد العربي عقبة بن نافع الفهري بدأ العصر العربي في شمال أفريقيا، فقد أعاد بناء مدينة القيروان - في تونس حاليا- واتخذها عاصمة سياسية وعسكرية لقواته، وفي عهد القائد العربي أبوالمهاجر بين دينار اكتملت الفتوحات العربية في شمال أفريقيا حتي وصلت إلي مدينة تلمسان - في الجزائر حاليا- وحدث أول احتكاك عسكري مع الأمازيغ بقيادة الملك "كسيلة" زعيم قبيلة "أوربة" وكان وثنيا، إلا أن العرب هزموه وأسروه، ولما كان القائد العربي أبو المهاجر دينار بعيد النظر، فقد أكرم الملك الاسير وعامله معاملة طيبة، وكان هدفه من وراء ذلك، شرح قلب الأمازيغ إلي الإسلام، مما نتج عنه اعتناق الملك "كسيلة" وعدد كبير من الأمازيغ للاسلام ، لكنه ارتد عن الإسلام بعد عودة عقبة بن نافع وحارب العرب وقتل في معركة معهم قرب قلعة "ممش" في المغرب حاليا- مع عدد كبير من جنوده وصفوة رجاله سنة 686 ميلادية.
الملكة التي هزمت الجيوش العربية
جانب آخر من احداث الفتح العربي لشمال أفريقيا.. "كاينا" ملكة الاوراس وهي ابنة الملك "أمدغاسين" وكانت يهودية، والتي يطلق عليها العرب الكاهنة، وهي لم تكن تعمل بالكهانة لكنه تحريف للاسم، وكانت زعيمة قبيلة "جراوة "التي حشدت جيشا ضخما من الأمازيغ وتصدت للجيش العربي بقيادة القائد العربي حسان الغساني، وحدثت بين الجيشين معركة "وادي مسكيانة" شرق الجزائر وانتصر الأمازيغ في هذه المعركة وقتل حسان الغساني علي يد الملكة "كاينا"، إلا أن انتفاضتها انتهت بقتلها في إحدي المعارك علي يد القائد العربي "أبوالمهاجر دينار".
ويدخل ضمن احداث الفتح العربي لشمال أفريقيا البطل الأمازيغي "ميسرة المطغري" وهو شاب ينحدر من عائلة فقيرة وكان أبوه سقاء مياه، ويعد ميسرة من الصفرية- فرع من الخوارج- وكان قائد الثورة الأمازيغية في عهد الخليفة الاموي هشام بن عبد الملك، وقتل في ميدان المعركة في وادي "سبو" قرب مدينة "طنجة" المغربية علي يد القائد العربي "كلثوم بن عياض" سنة 123 هجرية...تلك الاحداث جميعها استقرت في نفس الشعب الأمازيغي وأدت إلي حساسية مفرطة في العلاقة بين الأمازيغ والعرب مازالت قائمة حتي الآن، لدرجة ان البعض صورها علي انها نوع من العداء التاريخي الذي لا يمكن ان يمحوه الزمن بمقتضي ما هو وارد في الادبيات الأمازيغية.
شعب يحتكم إلي موروثه إذا تعارض مع الدين
معظم الأمازيغ مسلمون سنة، علي مذهب الإمام مالك بن أنس، وهناك أقلية إباضية "إحدي فرق الخوارج" وأقلية كاثوليكية- الطائفة الدوناتية نسبة إلي القديس دوناتوس الأمازيغي مؤسس هذا الفكر- وأقلية يهودية، ويعتمد المسلمون الأمازيغ -سنة وإباضية- تفسير ابن كثير للقرآن الكريم لأسباب عرقية، لأن ابن كثير أمازيغي، وقد كان تلميذا للإمام مالك بن أنس، وربما لهذا السبب أيضا يعتنق المسلمون الأمازيغ المذهب المالكي، وتعلو النزعة العرقية بين الأمازيغ علي النزعة الدينية، وهو ما تسبب لهم في اتهامات عديدة بسطحية الانتماء الديني سواء بالنسبة للإسلام أو المسيحية أو اليهودية، خاصة أن الثقافة الأمازيغية تعطي أولوية للموروثات التشريعية الأمازيغية إذا تعارضت مع النصوص الدينية، وعلي سبيل المثال، فإن الأمازيغ يرفضون تعدد الزوجات ويساوون في الميراث بين الرجل والمرأة.. ومثال آخر، فإن المسيحيين الأمازيغ يحللون الطلاق علي الرغم من أن الشريعة المسيحية خاصة الكاثوليكية تحرمه، وهذا يعود لأن الثقافة الأمازيغة تبيح الطلاق والزواج أكثر من مرة.
الدين والسياسة
تنسب الدولة العبيدية إلي عبيد الله المهدي، الذي يعود نسبه إلي الإمام إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق، الذي رفض الشيعة الجعفرية إمامته، أما الذين صدقوا بإمامته عرفوا فيما بعد بالشيعة الإسماعيلية، وقد قاد عبيد الله المهدي حركة ثورية إسماعيلية في بغداد، إلا أنه تعرض للاضطهاد علي يد العباسيين ففر ورفاقه إلي بلاد الأمازيغ -شمال أفريقيا- وقد سبقه اليها احد رجاله -أبوعبد الله الشيعي- الذي كان له دور مهم جدا في نشر الفكر الشيعي الإسماعيلي بين الأمازيغ خاصة قبيلة "كتامة"، مما ساعد عبيد الله المهدي فيما بعد لإقامة دولته الشيعية الإسماعيلية بين الأمازيغ وعلي ارضهم سنة 297 هجرية - 908 ميلادية وأسس مدينة "المهدية" لتكون عاصمة له، ويعد الخليفة المعز لدين الله رابع خلفاء الدولة العبيدية وأول خلفاء الدولة الفاطمية واشهر خلفاء هذه الدولة.
وظل الفكر الشيعي الإسماعيلي منتشرا بين الأمازيغ مئات السنين إلي أن عادوا مرة أخري إلي المذهب السني بعد سقوط الدولة الفاطمية.
لقد كان الشعب الأمازيغي مهيئاً لنصرة المذهب الإسماعيلي لان التشيع منذ نشأته اتخذ صبغة مضادة للأمويين، والذين كان الأمازيغ يكرهونهم اشد الكره، فكما اعتمد الفكر الشيعي في المشرق علي الفرس، اعتمد في المغرب علي الأمازيغ.
لغة خاصة
يتحدث الشعب الأمازيغي لغة خاصة بهم وتسمي "الأمازيغية"بطبيعة الحال.. يتفرع عن الأمازيغية حوالي 13 لهجة، تتحد جميعها في القاعدة اللغوية المشتركة ويمكن للناطق بإحدي اللهجات الأمازيغية أن يتعلم لهجة اخري في ايام قليلة.. وقد تم اعتماد لهجة الطوارق رسميا في المنظومة العامة للتعليم والثقافة والاعلام باعتبارها اقرب اللهجات للأمازيغية الصحيحة .. ومن أهم اللهجات الأمازيغية "الطارقية" وهي في دول النيجر ومالي وبوركينافاسو.. و"الريفية" و"السوسية" و"الاطلسية" و"التشليحية" في المغرب... و"القبائلية" و"الشاوية" و"الميزابية" و"الطارقية" أيضا في الجزائر .. و"الزوارية" و"الجبالية" و"الغدامسية" في ليبيا .. و"الغوانشية" في جزر كناري.. "السيوية" في مصر.. وعلي الرغم ان العربية والأمازيغية تمازجتا في شمال أفريقيا وخرجت منهما اللهجات الدارجة في تونس والجزائر والمغرب، إلا ان القواعد اللغوية لهذه اللهجات الدارجة أمازيغية بحتة، وعلي سبيل المثال لا يوجد في اللغة الأمازيغية مثني ولكن يوجد مفرد وجمع فقط، واللهجات الشمال افريقية لا يوجد بها مثني بينما يوجد المثني في اللغة العربية، هذا ولم تنل اللغة الامازيغية حقها في الاهتمام الاكاديمي علي مر السنين.
عيدً رأس السنة الأمازيغية
يحتفل الشعب الأمازيغي ليلة 13 يناير برأس السنة الأمازيغية ويطلقون علي هذا العيد القومي "أسكاس أمينو" يعني السنة الجديدة، ويعد هذا العيد أشهر الاعياد الأمازيغية علي الاطلاق، حيث يعد عطلة رسمية في المغرب وموريتانيا والولايات الأمازيغية في الجزائر، وهذا العيد له طقوس خاصة للاحتفال به، حيث تقام ليلة العيد الولائم ويتجمع عليها الاهل والاقارب، وتتكون هذه الولائم من الاكلات الشعبية الأمازيغية، مثل الكسكسي بالخضروات والعسل الابيض بالتين المجفف والزبيب والشاي الاخضر، كما يقدم أيضا الديك الرومي وإن كان تقديمه عاده غير أمازيغية أخذها الأمازيغ عن الرومان، ويتم استقبال الضيوف بأكواب اللبن، وأشهر طقوس هذا الاحتفال بإشعال النار، التي تمثل النور والامل في الثقافة الأمازيغية..وفي صباح يوم العيد، تتزين النساء والرجال، ويخرجون للاحتفال في الأماكن العامة.
والسنة الأمازيغية هي سنة شمسية، تتكون من 12 شهرًا وهي توازي الشهور الميلادية، وهي يناير، خبراير، ماغريس، أيقرير، ماقو، يونيو، يوليوز، غشت، شوتمبر، توبر، دونمبر، دوجمبر، ..ويبدأ التقويم الأمازيغي باعتلاء الملك الأمازيغي "شيشينق" الأول عرش مصر سنة 950 قبل الميلاد وهو الفارق بين التقويم الأمازيغي والتقويم الميلادي، حيث إن سنة 2008 ميلادية توافق سنة 2958 أمازيغية.
التاريخ يحركه المطربون أحيانا
ينقسم الشعب الأمازيغي إلي أمازيغ الريف وهم يقطنون شمال غرب المغرب، ويتحدثون اللهجة الريفية واللهجة الزناتية وهم الذين خاضوا معركة "أنوال" الشهيرة سنة 1921 أمام الاحتلال الإسباني علي المغرب، ومن مشاهيرهم الأمير محمد عبدالكريم الخطابي -الزعيم الأمازيغي المغربي- .. وأمازيغ "الشلوح" يقطنون وسط وغرب الاطلس الكبير وكذلك في الاطلس الصغير في المغرب، وتستخدم في تلك المناطق اللهجة الشلوحية
أمازيغ "سوس" وهم يقطنون سهل سوس في المغرب الذي يعرف قديما باسم مملكة جزولة، ويستخدمون اللهجة السوسية.. وكذلك أمازيغ القبائل الذين يقطنون شمال وشرق الجزائر وأهم مدنهم "تيزي وزو" التي تعد معقل الحركة الانفصالية الأمازيغية التي يتزعمها حاليا المطرب الأمازيغي القبائلي فرحات مهنا ويتحدثون اللهجة القبائلية .. ومن مشاهيرهم المطرب العالمي "إيدير" والمطرب الراحل " معتوب لوناس" والقديس " أوغستين" أحد آباء الكنيسة الكاثوليكية و"لوكيسوس أبوليوس" صاحب رواية الحمار الذهبي التي تعد أول رواية في التاريخ.. وأمازيغ الاوراس، وهم يقطنون شرق الجزائر قريبا من الحدود التونسية بجوار الاوراس ويتحدثون اللهجة الاوراسية ومن مشاهيرهم الملك "أمدغاسين" وابنته الملكة "كاينا".. وامازيغ الطوارق ويقطنون جنوب الجزائر وأجزاء من ليبيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو ويتحدثون اللهجة الطارقية، ومن الجدير بالذكر انهم يتعرضون في النيجر لحرب إبادة واضطهاد عرقي.
"يوبا الثاني"موحد القبائل
للأمازيغ حضارة عريقة يقدرونها هم أنفسهم ب 20 ألف سنة.. لهذا فإن تاريخ الأمازيغ حافل بعدد كبير من الاحداث والوقائع والشخصيات التي قدمت لهذا العرق الكثير، مما جعلهم يؤرخون لما قدمته تلك الشخصيات:
يأتي في مقدمة تلك الشخصيات، الملك "يوبا الثاني" موحد القبائل الأمازيغية الغربية "مملكة موريا وهي موريتانيا والمغرب حاليا" وأنشأ حكمًا ديمقراطيا نيابيا واتخذ عاصمتين "شرشال" و"ليلي" وقد اهتم يوبا الثاني ومن بعده ابنه بطليموس بالجانب العلمي والفكري والثقافي، وكانت له مؤلفات كثيرة ومنها "تاريخ بلاد العرب" و"آثار آشور" و"آثار الرومان القديمة" و"تاريخ المسارح" و"منابع النيل" و"تاريخ الرسم والرسامين".. كما وضع كتابا في قواعد النحو الأمازيغي وقد امتد حكمه لمدة عامين من 25- 23 قبل الميلاد، إلا أنه قد خدم الثقافة الأمازيغية.
القديس "أغسطين" وولد بمملكة نوميديا - الجزائر حاليا- من أم مسيحية وهي القديسة "مونيكا" وأب وثني. سافر إلي روما لدراسة الفلسفة اليونانية، وبعد عودته إلي نوميديا سنة 388 ميلادية أنشأ ديرًا وسار يبشر بين الشعب بعد أن تنصر وهو في الثالثة والثلاثين من عمره، وفي ظرف 9 سنوات وصل لرتبة الأسقف، وكرس حياته للكنيسة والتأليف الديني ومن أشهر كتاباته "اعترافاتي " والذي يعد أول كتاب في أدب الاعترافات في تاريخ الإنسانية، كما كتب أيضا "مدينة الإله" و"اعترافات التوبة" و"المراسلات".. وقد كان القديس "أغسطين" متعاطفا مع الأمازيغ ويدافع عن هويتهم العرقية، وقد انتهت حياته بالاستشهاد في 9 أغسطس 430 ميلادية وهو التاريخ الذي تحتفل به جميع الكنائس الكاثوليكية في العالم، وقد مات وهو يدافع عن مدينته عنابه ضد الغزاة "الوندال" الألمان القدماء.
"العباءة" فرض علي المرأة
تعد العباءة السيوية هي الرداء الرسمي لجميع السيدات السيوية، أما الفتيات اللواتي لم يتزوجن بعد فلهن أن يرتدين ما شئن من الملابس، بشرط ألا تظهر أي جزء من جسدها، ولذا تجد النقاب منتشرا بين الفتيات التي لم تتزوج بعد، علي أساس أن النقاب هو أقرب الملابس إلي العباءة السيوية.. العباءة السيوية عبارة عن قطعة قماش طويلة.. خفيفة الكثافة.. لونها رمادي في أغلب الحالات.. مصنوعة من القطن للتخفيف من وطأة درجة الحرارة المرتفعة..يتوسطها خط أحمر بمثابة حزام ..وتباع بمبلغ 250 جنيهًا.. لا يجوز لأي امرأة سيوية أن تخرج إلي الشارع دون ارتداء تلك العباءة، ولها أن ترتدي تحتها ما شاءت من الملابس، وفي الغالب تكون "جلبية" ذات ألون زاهية..ومن العيب أن تخرج المرأة بأي زي يحمل ألوانا غير الأسود والرمادي، لأنه ينظر إليه علي أنه ليس من الحشمة.. كما يأخذ علي المرأة أن تخرج إلي الشارع بمفردها، إلا أن يكون معها زوجها، ويتخذون من.. وسيلة للانتقال إلي حيث يقصد الرجل وزوجته حتي لا يكونا عرضة لأنظار الناس إذا ما ساروا علي الأقدام.. كما تحرص المرأه أن تغطي وجهها ب....وفي الغالب يكون لونه أسود، ومن لم يكن لديها، فعليها أن تغلق فتحة العباءة من أعلي علي وجهها بحيث لا يراه أحد.
الهوية علي ثوب قماش
أهم ما يميز لبس الرجل الأمازيغي خاصة في دول شمال أفريقيا... "السلهام" وهو ما يطلق عليه العرب الجلباب والبورنس، المنتشر في المملكة المغربية.. و"الوشاح" وهو قماشة طويلة تلف حول الرأس وذلك لمقاومة عوامل التعرية.. و"الجلابة" وهي تشبه الجلابية المصرية والجلباب العربي وهي منتشرة بين الموريتانيين والطوارق ولكن بطراز مختلف.. و"الجرد" وهو عبارة عن قماشة مستطيلة تلف حول الجسد وهي منتشرة في سيوة وليبيا.. و"العباءة" وهي منشرة في تونس والجزائر.
الخطوبة والزواج
كان -ومازال- هناك تحفظ شديد علي زواج بنات القبائل من خارج قبائل سيوة، ومن الشائع خطوبة الفتيات في سن 8 و9 سنوات، حتي أن الخطوبة قد تحدث في كثير من الحالات بمجرد مولد الفتاة، علي أن تتم قراءة الفاتحة وتحجز الفتاة- بمقتضي هذا العقد العرفي- للشاب حتي يصل إلي سن الزواج .. ولذا فإن معدل فترة الخطوبة دائما ما تمتد إلي 10 سنوات وأكثر.. ليس من حق الشاب أن يري خطيبته علي الإطلاق، مهما طالت فترة الخطوبة، ويقتصر أمر لقائهما في العيدين فقط "عيد الفطر وعيد الأضحي" علي أن يكون لقاؤهما في حضور والدها أو أخيها ولا يكون بينهما أي حديث ويقتصر اللقاء علي المصافحة فقط وتقديم واجب الضيافة من المشروبات..كانت مراسم الزواج تمتد لمدة 7أيام، لكنها اختزلت الآن في 3 أيام فقط، علي أن ينتقل جميع أقارب العروس إلي بيت العريس والعكس، ويكون واجب الضيافة هو تقديم الطعام لهم لمدة الـ 3 أيام دون انقطاع، كما كان من الشائع في الماضي أن يتم الاحتفال بالموسيقي والأغاني، لكن مع انتشار الفكر السلفي توقف هذا الأمر وبات بينهم محرما.. وتنحو العلاقة بين القبائل في سيوة إلي عدم المغالاة في المهور، ولذا يعاني المجتمع السيوي من ارتفاع نسبة الطلاق.. كما يحق للرجل أن يكون علي ذمته أكثر من امرأة، علي عكس عادات الأمازيغ في دول الشمال الأفريقي التي تمنع وجود أكثر من مرأة علي ذمة الرجل، احتراما لمكانتها ودورها في المجتمع.
أفضل الأكلات
تعتبر "المخمخ" واحدة من أهم الأكلات التي تعتز بها القبائل، وهي نفسها أكلة "الرجلة" التي كانت منتشرة منذ فترة ليست ببعيدة في ريف الوجه البحري، وتعتمد في طبخها علي نبات "الرجلة" الذي ينبت بشكل عشوائي بين الزراعات في فصل الشتاء.. كذلك "التجلان التيني" وهي تتكون من الدقيق والبلح وزيت الزيتون، ويعتبرونها من أغني الأكلات بالطاقة التي يحتاجها الجسم عند العمل.. و"المقطعة" التي تتكون من الدقيق واللبن والسمن البلدي.. لكن معظم هذه الأكلات قل الاهتمام بها نظرا لأنها تحتاج لمجهود كبير في عمليات إعدادها، واستسهل أهل سيوة الأكلات المتداولة الآن، والتي لا تنسب لهوية أو أصل معين
------
حمودة عمران: مَن أيدوا انضمام سيوة إلي ليبيا «قلة».. ونحن مصريون حتي النخاع
«قيدوم» أمازيغ سيوة في حوار حول التاريخ والجغرافيا وحكايات الأجداد في الواحة
الملك فاروق أفطر معنا بعد أن اشتري من والدي السجائر في رمضان ولم يكن يعرفه أحد .. والسادات ربطنا بالعمران.. ومبارك جاء عام 1996
الشيخ "حمودة عمران " واحد من كبار الشخصيات في عالم الأمازيغ، ويتبعه أناس كثيرون، ولا يتحرك منهم أحد إلا بعد مشورته، كما أشار لي الناس هناك.. وبالفعل كنت عند صديقي في الموعد المحدد، فاصطحبني إلي بيت الشيخ العجوز.. وهو بيت واسع جدا، بني علي مساحة يحدها سور طويل، وتستغل المساحات الواسعة المتبقية داخل حرم السور لتجميع الزيتون وتخزينه.. عندما دخلت من الباب الرئيس للبيت وجدت الرجل جالسا علي عتبته بجلبابه الأبيض الناصع.. ولحيته التي لا يختلف لونها كثيرا عن لون الجلباب..وبحفاوة شديدة مد يده- وهو جالس- يسلم علي زميلي ثم علي.. ثم نهض من جلسته، وإذ أجده منحني الظهر ويسير ببطء شديد، فتذكرت علي الفور البابا يوحنا بولس الثاني- بابا الفاتيكان الراحل- لشدة الشبه بين حركتيهما وأسلوب سيرهما، وقد عرفت فيما بعد من زميلي أنه مصاب بالغضروف منذ زمن.
جلست إلي الرجل الكهل.. فعرفته بنفسي وتعرفت عليه.. وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث، وعندما شرعنا في إجراء الحوار توقف الرجل فجأة وطلب مني تأجيل الحوار حتي بعد الإفطار لأنه صائم ولا يستطيع أن يتكلم في ظل الصيام.. ذهبت.. ثم عدت إليه مرة أخري ليلا، فكان استقبال الليل أكثر حفاوة من استقبال النهار.
> جلست إلي الرجل العجوز في المربوعة "غرفة بدوية مخصصة لاستقبال الضيوف" وسألته سؤالا أكاد أكون أعرف إجابته مسبقا: هل التقيت أياً من الرؤساء؟
ــ قال الرجال: لقد جاء هنا معظم الرؤساء تقريبا..الملك فاروق.. الرئيس السادات.. والرئيس مبارك والتقيت بعضهم ورأيت البعض الآخر.
> هل كانت هناك مناسبات معينة لزياراتهم؟
ــ أول من جاء إلي سيوة كان السلطان عبد الحميد، وذلك في أعقاب سفرية كان يقوم بها عبر البحر.. وكان أعداؤه قد أجهزوا عليه ووضعوا له "السم" في القهوة التي طلبها وهو في مركبه، وعندما أمسك بالفنجان.. وقع من يده.. ولما وصل إلي حيث يقصد رأي رؤية.. بأن رجلا جاء إليه وأبلغه أن القهوة التي كان سيحتسيها "مسمومة"، وهو الذي أسقطها من يده.. فسأله السلطان: مَنْ تكون؟.. فقال له: أنا سلطان "سيوة".. فقرر السلطان عبد الحميد زيارة سيوة وبناء مسجد بها.. وبالفعل جاء إلي هنا وذكر تلك الواقعة ووضع أساس المسجد الذي أطلق عليه مسجد الملك، لأن الملك فؤاد هو الذي استكمل بناءه.. أما الملك فاروق فكنا نسمع عنه فقط ولم يكن أحد قد رآه من قبل.. وجاء إلي هنا بــ «عربية جيب» وكان يرتدي "أفرول" ونضارة ومعه اثنان من الحرس، ووقف أمام دكانة والدي التي كانت أسفل "شالي" وسأله أحد الحارسين عن السجائر.. فأعطاه السجائر.. فأخذها الحرس وأعطاها للملك وهو يقول.."تفضل جلالة الملك".. فلم يصدق والدي وظل يحيه.. «عاش جلالة الملك».. ثم دع الملك كل من في البلد للعشاء في الجامع الكبير.. وكان ذلك في شهر رمضان.. أما بالنسبة للرئيس جمال عبد الناصر فلم يأت إلي هنا، بينما جاء الرئيس السادات وكان في عربته "الجيب" المكشوفة وأخذ يحيي الناس وجلس معهم في احتفال كبير حضره جميع أهل البلد ووقتها اتخذ قرار رصف الطريق بين سيوة ومرسي مطروح بسبب شكاوي الناس من بعدهم عن العمران.. وهكذا حضر الرئيس مبارك أيضا عام 1996.
> كم عدد سكان سيوة في فترة ما قبل الثورة؟
ــ كان عدد السكان في فترة ما قبل الثورة حوالي 6 آلاف، ثم ارتفع إلي حوالي 10 آلاف في فترة ما بعد الثورة.. وكان ـ ومازال حتي الآن ـ يحكمها العرف الذي توارثناه عن أجدادنا
> كم عدد القبائل في تلك الفترة؟
ــ عدد القبائل كان ـ ومازال ـ ثابتاً مع مرور الزمن، وهي 10 قبائل تقريبا.."الزناين" و"اللحمودات" و"الحدادين" و"أولاد موس" و"أغورمي" و"الجواسيس" و"الشرامطة" و"السراحنة" و"المراقي".
> من أين ينحدر العرق الأمازيغي في سيوة؟
ــ هذا أمر بعيد جدا يعرفه الآباء والأجداد.. فجذورنا تعود إلي دول الشمال، سواء كانت المغرب أو الجزائر أو تونس، وكل العائلات الموجودة في سيوة- دون العرب- تعود جذورها إلي تلك الدول، لكن مع مرور الزمن حدث انفصال وبدأت كل جماعة تنغلق علي الدولة التي تنتمي إليها.. إلا أن أقرب الناس إلينا هم الليبيون لأن أصلنا واحد ويتحدثون نفس اللغة.. وإن كان عدم التواصل بيننا تسبب في اختلافات بسيطة بين اللهجتين.
> ولمن كان الولاء ساعة الأزمات..لمصرأم للانتماء العرقي؟
ــ كان الانتماء لمصر ..وحتي الآن.. ولو سألت أي واحد في سيوة بعيدا عن أولاد علي- قبيلة كبيرة في سيوة ذات جذور عربية- سيقول لك:"مصر..مصر".. لكن ما تقصده ينطبق علي عرب مرسي مطروح، لأنهم قريبون جدا من ليبيا وبينهم علاقات ود ونسب .
> لماذا توجد حساسيات تاريخية بين العرب والأمازيغ في سيوة؟
ــ لم يكن هناك عرب في سيوة، لكن حدث أن استقر عرب- رحل- في منطقة المراقي ونطلق عليهم نحن، «أولاد علي»، وهم نوعان.."علي الأبيض" و"علي الأحمر" حسب لون الأفراد.. وهذا المسمي نسبة إلي جدهم الأكبر "علي".. وقد خرجت منهم قبائل عديدة، تسكن الصحراء وتتنقل باستمرار ولم يستقر منهم إلا أولاد علي في منطقة المراقي.
> وما سر الاحتقان الدائم بين العرب والأمازيغ..هل هناك بعد تاريخي لهذا الأمر؟
ــ لا يمكن تحديد سبب معين..ولكن ما يحدث في الانتخابات هو عملية تبادل أصوات، فنحن لا نعطي أصواتنا لمرشح أي قبيلة إلا إذا اتفقنا علي أن يعطونا أصواتهم في الانتخابات التالية ..هذا إذا كان لنا مرشح.. لكن واقع الأمر أن العرب دائما يسعون لجمع الأصوات لصالح مرشحهم دون مقابل..ومع ذلك يبقي أولاد علي هم أقرب العرب إلي السيويين.
> لماذا تنقسم "سيوة" إلي شرقية وغربية؟
ــ هذا ما خرجنا فوجدنا آباءنا وأجدادنا عليه..لكن لا أحد يعرف السر في ذلك.. فمنذ أن ولدت وجدت سيوة الشرقية والغربية، ويخرج هذا التقسيم أحيانا عندما تقع أزمة.. لكن مع ذلك فإن هذا التقسيم لم يعد في الاعتبار الآن، فالعلاقة بيننا باتت علاقة نسب وأهل.. وهم يتزوجون منا ونحن نتزوج منهم.
> ما حقيقة مدينة "شالي"؟
ــ هذه المدينة منذ قديم الزمان..وكان يحكي لي عنها والدي الذي عاش 91 سنة وعاصر الحياة بداخلها، قبل أن تتوسع "سيوة" بالشكل الذي هي عليه الآن.. فهذه المدينة يمتد عمرها لأكثر من 200 عام وأقامها الأجداد السيويون الذين كانوا يتحدثون اللغة الأمازيغية وحدها آنذاك علي ارتفاع شديد لرد هجوم العرب عليهم، وقد أحاطوها بسور كبير وبوابة ضخمة، لمنع دخول أو خروج أي فرد منها بعد حلول الظلام.. حتي البهائم والأغلال كان يتم إدخالها خوفا من سرقتها.
> متي تم اطلاق اسم سيوة علي المنطقة؟
ــ اسم سيوة.. اسم قديم جدا منذ أيام الفراعنة، وقد أطلق علي المدينة قبل أن تنشأ "شالي".. ولكن هذا الاسم كان للمنطقة بشكل عام ..أما اسم "شالي" فقد كان للمدينة التي أنشأها أجدادنا وهي تمثل جزءاً كبيراً من سيوة حتي يكاد لا توجد مبان في سيوة غيرها آنذاك.
> ماذا كان موقفكم عندما أعلن الرئيس معمر القذافي عن رغبته في ضم سيوة إلي ليبيا؟
ــ كان غرض القذافي هو ضم سيوة إلي ليبيا بسبب التقارب الذي حدث بين أهل سيوة والليبيين في الفترة التي أهملت فيها مصر هذه المنطقة، وبسبب وحدة اللغة بيننا، فكل منا يتحدث اللغة الامازيغية، مع اختلاف اللهجات، كما تعد سيوة هي أقرب مكان في مصر لليبيا .
> ما موقف السيويين من هذا الطرح آنذاك؟
ــ عن نفسي.. لم أكن مؤيدا للانضمام إلي ليبيا.
> لكن ما موقف البقية؟
ــ كانت هناك قلة ترغب في الانضمام إلي ليبيا بسبب اللغة والقرب المكاني.. لكن الأغلبية كانت تفضل البقاء تابعين لمصر ..وحتي يومنا هذا، نحن دائما نقول:"مصر..مهما حدث فينا".
> هل تشعر بأنكم ظلمتم عبر العصور؟
ــ سيوة تعبت.. وهي مظلومة ببعدها عن العمران.. لكني لا أري ظلما قد وقع عليها من الحكام.
> البعض من أبناء "سيوة" مازال يتمني لو تعود إلي عزلتها عن العالم كما كانت في الماضي للحفاظ علي هويتها وعرقيتها الأمازيغية..فهل تتفق مع هذا الاتجاه؟
ــ لا.. فالدنيا تغيرت الآن ..لقد كان يحكمنا في السابق العرف، أما الآن فقد دخل القانون وبدأ يأخذ مرتبة متقدمة عن العرف في العديد من المشكلات التي نواجهها...لقد كنا نحكم..فينفذ.. ولا أحد يستطيع الاعتراض علي الحكم...أما الآن فمن السهل أن أحكم ولا يرضي الخصم بحكمي فأتركه يذهب إلي قسم الشرطة.
> أيهما أفضل برأيك: دولة العرف أم دولة القانون؟
ــ الدولة سعت لتفكيك العرف.. وقد حدث إلي حد ما، فلم يعد هناك رجال كما كان في الماضي، بحيث نحكم فيكون الأمر نافذا.. ومع ذلك فإن العرف والقانون ظلا دائما علي تلك الأرض ومازلنا نأخذ بالعرف حتي الآن قبل أن نصل إلي القانون الذي يعد المرجع النهائي إذا فشلنا في التوصل إلي حل عرفي .. ويمكن القول إن القانون بدأ يأخذ مرتبة متقدمة عن العرف .
> علمت أن العقوبة الكبري بين القبائل هي "الجلد"..فهل هي مستقاة من العرف أم من الدين؟
ــ هذه العقوبة نابعة من العرف وليس لها أي علاقة بالدين .. وهي تطبق في حالات محددة، وتعد أكثر العقوبات وطأة علي الفرد والقبيلة التي ينتمي إليها.. ويتم ذلك من خلال مجلس عرفي يضم ممثلين لكل من القبيلتين المعنيتين بالمشكلة، وتطرح الواقعة علي الحضور ويتم الحكم علي الفرد حسب درجة الجرم..فقد تكون 40 جلدة أو 50 وقد تصل إلي 80 وقد تستبدل بالغرامة، إذا كان الفرد قادرا علي دفع المال.
> هل "الجلد" عقوبة لكل التجاوزات؟
ــ لا.. فهناك مشكلات لا يجوز فيها الجلد.
> هل من الممكن الجمع بين "الجلد" والغرامة معا؟
ــ لا.. العقوبة إما جلداً أو غرامة.
> هل هناك شروط معينة يجب أن تراعي في عملية الجلد؟
ــ نعم.. يجب أن يكون الحبل بسمك معين.. وطوله 6 أمتار تقريبا، ويتم طيه إلي 4 طيات، بحيث عندما تضرب تترك أثر 4 خطوط علي ظهر من يتم جلده.. وتتم عملية الجلد أمام الحاضرين، حيث يجرد الفرد من ملابسه- إلا القليل الذي يستر عورته- ثم ينبطح علي الأرض ويقوم أحد أفراد عائلته بعملية الجلد، إرضاء للطرف المتضرر.
> هل هناك سن معينة لتطبيق الجلد؟
ـــ طبعا..سن البلوغ، أما دون ذلك فيترك الأمر لوالد الفرد كي يؤدبه بمعرفته
------
غداً شيخ كبري القبائل:
نطالب التربية والتعليم بتدريس اللغة الأمازيغية لأبناء سيوه
تاريخ الأمازيغ في مصر 2758 عامــا من العزلة «2 » ه
ملف يحققه : يوسف عبد ربه
في الحلقة الثانية من ملف"الأمازيغ" الذي تفتحه البديل علي مدار عدة حلقات،يوضح الشيخ فتحي الكيلاني شيخ قبيلة "الظناين"، كبري القبائل الأمازيغية في واحة سيوة عددا من ملامح "الجماعة الأمازيغية في مصر علي المستويين الثقافي والاجتماعي،خاصة فيما يتعلق بفكرتي "اللغة" و"العرق"، وهو ما دفعنا بطبيعة الحال للسؤال عن العلاقة بين أمازيغ مصر وباقي أقربائهم المنتشرين بمنقطة شمال أفريقيا. وكان منطقيا أن تطفو علي السطح بعض تساؤلات سياسية قرر أن يتصدي لها أمين الحزب الوطني بسيوة، الذي حضر اللقاء مع الشيخ الكيلاني، والذي اختصر إجابة كل الأسئلة في قوله "كل أهل سيوة ينتمون للحزب الوطني..وقد فعل الحزب كل شيء لهم"! بينما راحت الباحثة الأمازيغية أماني الوشاحي_في الحوار الثاني_ في توضيح عدة أبعاد تاريخية للأمازيغ في مصر، وحاولت إذابة جسور الجليد بين فكرة العرق والمواطنة داخل هذه الجماعة الصغيرة(21 ألفا في مصر)، وانتهت إلي أن علاقة الأمازيغ بمؤسسة الدولة الرسمية لم تتلق أي أسافين حتي الآن، ورفضت دعوة عادلي أبادير لإدراجهم علي أجندته فيما أطلق عليه "أقليات مصر". وقالت إن لهم هيئة عالمية تتحدث باسمهم وباسم قضاياهم تدعي "الكونجرس العالمي الأمازيغي" بالإضافة إلي عدد من الصحف والإذاعات والفضائيات.
نطالب «التربية والتعليم» بتدريس اللغة الأمازيغية لأبناء سيوة حتي لا تنقرض
فتحي الكيلاني.. شيخ قبيلة «الظناين» السيوية:
سيوة تضم 11 قبيلة أمازيغية هي قبائل «الظناين» و«الحدادين» و«اللحمودات» و«الشرامطة» و«الجواسيس» و«أولاد موسي» و«السراحنة» و«الشحايم» و«أغورمي» و«قرية أم الصغير» و«الشهيبات»
بدأت يومي الثالث في مدينة الأمازيغ بسيوة في مناطق نفوذ قبيلة "الظناين" الأكبر في تلك المنطقة،حجم القبيلة تطلب أن يتولي أمر المشيخة فيها شيخان هما الشيخ فتحي الكيلاني والشيخ عبدالرحمن الدميري. اليوم أيضا هو موعد لقائي مع الشيخ فتحي الكيلاني، لقاء تطلب محاولات مضنية استمرت يومين. الآن حل المساء علي مدينة الأمازيغ وعلي أن أتوجه إلي بيت الشيخ فتحي الكيلاني، أمسكت بأدواتي وانطلقت إليه. تقارب الساعة الآن منتصف الليل ورغم ذلك علي أن ألحق بالشيخ قبل أن يعود إلي دوامة الانشغال بحل القضايا التي يحيلها إليه قسم الشرطة أو التي يلجأ إليه فيها أبناء قبيلته أو القبائل الأخري.
دخلت إلي المكان الذي يجلس فيه الشيخ ويستقبل ضيوفه، وكان جالسا فنهض ليصافحني ويرحب بي، وسرعان ما أدرك دون سابق معرفة بيننا أنني الشخص الذي ينتظره. قررت أن اختصر عليه الطريق وطلبت منه سرعة إجراء الحوار حتي يعود إلي مشاغله التي تنتظره.. وإلي نص الحوار:
> لماذا يتولي مشيخة قبيلة الظناين اثنان من الشيوخ؟
ـــ لأنها أكبر قبيلة في سيوة، ولابد أن يكون لها شيخان، وقد كان من قبلي في هذا المنصب الشيخ أحمد سعيد الكيلاني، الذي توفاه الله فتوليت المشيخة خلفا له، وأيضا الشيخ محمد الدميري، الذي توفاه الله فخلفه ابنه الشيخ عبد الرحمن الدميري. تولي منصب المشيخة يكون بالانتخاب بين أبناء القبيلة ثم ترسل نتيجة الانتخاب إلي قسم الشرطة لاعتمادها والتعامل مع الشيخ الجديد بشكل رسمي من قبل وزارة الداخلية بعد أن تجري التحريات الأمنية المطلوبة عنه وتتأكد من نزاهته.
> علمت أن رتبة شيخ القبيلة في وزارة الداخلية هي "العمدة".. ما حقيقة هذا؟
ـــ لا.. نحن علي رتبة شيخ أما رتبة العمدة فتكون بالنسبة للعرب في مرسي مطروح.
> ما القبائل التي تعيش في سيوة وكم يبلغ عددها؟
ـــ يوجد في سيوة 11 قبيلة موجودة منذ عشرات السنين، هي قبائل "الحدادين" و"اللحمودات" و"الشرامطة" و"الجواسيس" و"أولاد موسي" و"السراحنه" و"الشحايم" و"أغورمي" و"قرية أم الصغير" و"الشهيبات" و"الظناين"
> ما أقدم قبيلة بين هذه القبائل؟
ـــ لا يمكن تحديد ذلك علي الإطلاق لأن تلك القبائل موجودة منذ زمن بعيد، فنحن في الأصل عرق أمازيغي ينحدر من دول شمال أفريقيا، لكن جئنا إلي هنا منذ آلاف السنين واستقر بنا الحال في سيوة، لذلك من الصعب أن أحدد أيهم أقدم من الأخري في النزول إلي سيوة.
> متي نزل الأمازيغ إلي سيوة؟
ـــ كان هذا منذ زمن بعيد جدا، لكن في عصر قريب كان جبل "شالي" هو الموطن الأساسي الذي يضم جميع القبائل، وكان محاطا بسور ضخم لرد أي هجوم من العرب أو الرحالة في الصحراء. وعدد القبائل حينها ـــ في عصر "شالي" ـــ حوالي 7 قبائل هي "الظناين" و"اللحمودات" و"الحدادين" و"أولاد موسي" و"الشحايم" و"أغورمي" و"الشرامطة" ثم انضم لهم ثلاث قبائل أخري في الفترة الأخيرة.
> هل كانت هناك ملابسات معينة لإنشاء تلك المدينة؟
ــ كان السبب الرئيسي لإنشائها هو رد الغزو القادم من ليبيا والعرب، فأنشأوا تلك المدينة علي منطقة عالية منعا لوصول الأعداء إليهم، ولكن مع مرور الوقت وانتهاء الغارات علي المدينة وتزايد عدد السكان، بدأوا بالنزول إلي البلد والعيش فيها. كانت سيوة بأكملها أراضي زراعية حتي منطقة السوق الموجودة في وسط المدينة كانت منطقة زراعات، ولم يكن في سيوة كلها إلا جبل "شالي" الذي تسكنه القبائل، لكننا الآن أصبحنا نعيش حياة غير التي كنا عليها في الماضي من الانفتاح والاختلاط بالآخرين.
> من المعروف أن العلاقة بين أهل سيوة الشرقية والغربية شهدت توترات قلت حدتها الآن.. فهل هناك أسباب محددة لهذا التقارب؟
> يرجع الفضل في هذا إلي رجل فاضل هو الشيخ أحمد الظافر حيث حاول الصلح بين الشرقيين والغربيين من خلال تنظيم خلوة للرجال من الطرفين في منطقة الدكرورـــ تبعد عن سيوة حوالي 5 كيلومتراتـــ للجلوس معا علي أن تستمر تلك الخلوة لمدة 3 أيام متواصلة هي الأيام القمرية من شهر أكتوبر أي أنها أيام 13و 14و 15 من الشهر الهجري المتزامن مع شهر أكتوبر، وخلالها يأكلون ويشربون معا. وقد أطلق الشيخ الظافر علي هذه الخلوة اسم "عيد الصلح"، وقد نجحت تلك الفكرة في إزالة الحواجز والحساسيات بين الطرفين، وبات تنظيم هذا العيد يتم بشكل سنوي، وقد سمي بـ "عيد الحصاد" لأنه يأتي متواكبا مع حصاد التمر والزيتون في شهر أكتوبر.
> من أين ينحدر الشيخ أحمد الظافر؟
ـــ كان من ليبيا.. وجاء إلي سيوة وأقام في منطقة "براني" لكنه كان رجلا صالحا واستطاع أن يؤثر علي الناس ويصنع الصلح بينهم.
> ما سبب الانفصال بين أبناء العرق الأمازيغي الموجود في سيوة ونظيره الموجود في المغرب والجزائر وليبيا؟
ـــ حدث شبه انفصال بيننا وبين أمازيغ شمال أفريقيا منذ زمن ليس بالبعيد، وهو ما أدي بدوره إلي اختلاف اللهجة، وفي هذا الشأن فأمازيغ شمال أفريقيا يعتبرون أنفسهم أصل اللغة والعرق في حين نعتبر أنفسنا نحن الأصل. لقد زارتني هنا العديد من الشخصيات الأمازيغية من المغرب والجزائر وكنا نتحدث معا بكل سهولة مع وجود بعض الاختلافات اللغوية البسيطة النابعة من البعد وعدم التواصل، كما أن اللغة الأمازيغية لديهم تكتب وتنطق وتدرس في المدارس، في حين تبقي الأمازيغية هنا منطوقة فقط.
> البعض يتحدث أن اللغة الأمازيغية مهددة الآن بالانقراض.. فلماذا لم تحدث حركة تدوين لها؟
ـــ هذا الأمر يرجع إلي وزارة التربية والتعليم فعليها أن تخصص حصصاً دراسية في المدارس لتدريس الأمازيغية والحفاظ عليها من خطر التحلل والضياع بمرور الزمن. يتحدث الطفل هنا اللغة السيوية منذ نعومة أظافره، فهي اللغة رقم واحد في التعامل بيننا، ولذلك لا أعتقد أنها ستنتهي مهما زاد عدد الوافدين إلي سيوة لأن السيويين أيضا في تزايد، ونحن حريصون علي بقاء لغتنا.
> لماذا أصبحت اللغة الأمازيغية جامدة لا تتطور حتي باتت معظم المصطلحات الحديثة باللغة العربية؟
ـــ هذا أمر يمكن طرحه للنقاش بين القبائل لأن المصطلحات العربية باتت كثيرة جدا في اللغة السيوية.
> إلي أي مدي يوجد تواصل بين أبناء العرق الأمازيغي في سيوة وأقاربهم في المغرب والجزائر؟
ـــ التواصل موجود لكن السبب الرئيس وراء حالة الانعزال هو البعد والانشغال أما بالنسبة لأهل سيوة فهناك مشكلة لدي من يهجرها ويقرر الانضمام إلي العمران مثل الإسكندرية لأن أبناءه يتكلمون فيما بعد العامية المصرية ولا يكون هناك حرص من آبائهم علي تعليمهم اللغة السيوية.
السؤال القادم مثل مرحلة فاصلة في الحوار مع الشيخ فتحي الكيلاني حيث قرر أمين الحزب الوطني في سيوة أن يتدخل ويجيب علي الأسئلة بدلا من الشيخ، كان أمين الحزب الوطني يجلس بجوار الشيخ فتحي الكيلاني وتبدو عليه علامات الثراء والوجاهة وظل ملازما لنا طول فترة إجراء الحوار. لا أعرف علي وجه التحديد إذا كان الشيخ فتحي هو الذي استدعاه لحضور الحوار أم أن حضوره كان مصادفة لكنه ظل "رقيبا" علي الحوار الذي دار بيني وبين الشيخ وكان يتدخل في بعض الأحيان إذا كان السؤال محرجا.. الآن قررت أن أوجه له عددا من الأسئلة :
> ما أسباب الحساسيات الدائمة بين الأمازيغ والعرب؟
ـــ بدأ الشيخ فتحي يجيب عن السؤال لكن مهدي المشري أمين الحزب الوطني بسيوة هم بمقاطعة الشيخ وتدخل قائلا : "مهلا يا شيخ فتحي.. الكلام ده هينشر".. وواصل بقوله: "شوف ياأستاذ.. نحن لا توجد بيننا وعرب مرسي مطروح أي حساسيات، فهم أهلنا وعشيرتنا وهناك علاقة ود ونسب ممتد بيننا".
> قلت له أنا لم أقصد أن هناك حساسيات في التعامل في العصر الحالي ولكني أتحدث عن وضع تاريخي بين الأمازيغ والعرب تذكره الكتب حتي اليوم؟
ـــ فرد مهدي المشري قائلا: دعنا نبعد عن الكتب وما يذكر فيها، وعلينا أن نتحدث عن الوضع القائم الذي لا يحمل أي عداوة بيننا والعرب، أما بالنسبة للبعد التاريخي فإن السبب الذي جعل أهل سيوة يقيمون قلعة "شالي" كان الغزو الذي يتعرضون له من قطاع طرق جاءوا من ليبيا، ودعم هذا الأمر غياب الأمن عن المنطقة لكن تلك الاحتياطات لم تكن بهدف رد العرب الموجودين هنا.
> هنا توقفت عن حواري مع الشيخ فتحي الكيلاني وتوجهت لحوار في مجال آخر مع أمين الحزب الوطني.. وسألته: لماذا تتسم الحياة في سيوة بعدم التعددية الحزبية.. فلا يوجد إلا الحزب الوطني فقط؟
ـــ فرد قائلا: ولماذا توجد أحزاب أخري إذا كان الحزب الوطني "عامل كل حاجة ومش مخلي حاجة معملهاش؟".إن جميع أهل سيوة ينتمون إلي الحزب الوطني عن اقتناع لأنهم لم يروا أي تقصير من حكومة الحزب في سيوة وإلا كان هناك ناس تسربوا إلي أحزاب المعارضة.
> هل هناك أحزاب سياسية حاولت العمل في سيوة أم أنها لم تحاول من الأساس؟
ـــ هناك بعض الأحزاب السياسية التي حاولت لكنها لم تجد لنفسها أرضية، فرحلت لأنها لم تجد من يستمع لها.
> يشهد شهر نوفمبر القادم انعقاد مؤتمر الحزب الوطني.. ماذا تنوي طرحه علي مؤتمر الحزب لتنفيذه علي أرض سيوة؟
ـــ وأنا أطرح ليه.. ما دام الحزب الوطني عامل كل حاجة
----------
21 ألف أمازيغي يعيشون في سيوة.. وجئنا ضيوفا إلي مصر ولا نعرف وطنا غيرها
أماني الوشاحي.. الباحثة الأمازيغية المصرية ذات الجذور المغربية لـ «البديل»:
عدلي أبادير ينوي ضرب «أسافين» بين الأمازيغ والدولة.. و«مش عارف يعمل إيه ولا إيه علشان يؤذي هذا البلد».. والأمازيغ لن يستجيبوا له
قالت الناشطة والباحثة الأمازيغية أماني الوشاحي «إن ما يتردد حول ميول أمازيغ مصر إلي العرق والأصل الذي انحدروا منه علي حساب وطنهم غير صحيح»، وأكدت في حوارها مع "البديل" أن وجود الأمازيغ في مصر يمتد إلي 3 آلاف عام حيث حكموا مصر لمدة 200 عام في أعقاب سقوط حكم الملك رمسيس. ووفقا للباحثة الأمازيغية فإن الأمازيغ الذين جاءوا مع الفاطميين هم من بنوا القاهرة وأطلقوا عليها هذا المسمي، كما أنهم أول من أطلقوا علي نهر النيل لفظ "نيل". وأوضحت أماني الوشاحي أن أمل الأمازيغ الوحيد للبقاء هو التماسك، ولولا الحرص علي هذا التماسك لانتهينا منذ سنوات طوال، وفيما يلي نص الحوار..
> متي بدأ استيطان الأمازيغ في مصر؟
ـــ يعود استيطان الأمازيغ في مصر إلي عصر الملك رمسيس الثالث الذي اعتاد أن يأتي بمرتزقة من ليبيا لاستخدامهم في الحروب التي كان يخوضها، وكان معظمهم من الامازيغ، وتحديدا من قبيلة اسمها "الميشوش"، ومع مرور الوقت ازداد عددهم واستوطنوا مصر. عندما مات رمسيس الثالث توالي علي العرش 6 ملوك باسم رمسيس، وكانوا جميعا ضعفاء، فاستقوي الامازيغ بالجيش وسيطروا عليه إلي حد بعيد جدا، وفي عام 950 قبل الميلاد استولي "شيشينق" القائد الأمازيغي في الجيش المصري علي العرش، وحكم مصر باسم الملك "شيشينق الاول". واستمر حكم الأمازيع لمصر لمدة 200 عام، شكلوا خلالها الأسر 22 و23 و24 حتي سقط حكمهم علي يد النوبيين بزعامة الملك "بعنخي" وقد حكموا مصر لمدة 15 عاما وشكلوا الاسرة رقم 25، ورغم سقوط حكم الامازيغ إلا أنهم ظلوا موجودين في صحراء مصر الغربية لكن عددهم تقلص مع مرور الوقت، وانحصروا في مصر في منطقة "سيوة".
> هل ارتبط التأريخ الحقيقي لوجود الأمازيغ في مصر باعتلائهم العرش فقط؟
ـــ هذا الأمر ليس له علاقة بمصر تحديدا بقدر ما له علاقة بموضوع الأغلبية والأقلية داخل الوطن الواحد، فالأمازيغ منذ عصر الملك رمسيس الثالث كانوا أقلية ومع ذلك فإن الروايات الشعبية الأمازيغية تقول إن الامازيغ حاربوا الملك رمسيس الثالث وانتصروا عليه واعتلي قائدهم "شيشينق الاول" العرش، وإن كانت تلك الروايات الشعبية مبالغ فيها ولا يوجد لها سند تاريخي، فإن الحقيقة الثابتة أن الأمازيغ اعتلوا العرش بعد حكم الملك رمسيس. كان هذا انتصارا عظيما عندما حكمت الأقلية أغلبية مصر وقت أن كانت دولة كبري جدا في ذاك الزمن.
> كم عدد الأمازيغ الذين دخلوا مصر في عهد الملك رمسيس الثالث؟
ـــ دخول الامازيغ إلي مصر تم علي عدة موجات من الهجرة السلمية لأن دخولنا إلي مصر كان بطلب من الملك الذي كانت لديه قناعة تامة بإخلاص الامازيغ التام له وللجيش ثم انقلبوا فيما بعد عندما زاد نفوذهم في الجيش. حدثت موجة هجرة ثانية بعد الهجرة الأولي في عهد رمسيس الثالث، جاءت تلك الموجة مع جيش المعز لدين الله الفاطميـــ رابع خلفاء الدولة العبيدية في المغربـــ الذي قرر فتح مصر، ولم يكن أمازيغياً بل عربيا رغم مجيئه من المغرب حيث يعود نسبه العربي إلي الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق أي انه كان شيعيا اسماعيليا. أرسل المعز لدين الله جيشا قوامه 100 ألف جندي لفتح مصر مع عبد له من صقلية ـــ جوهر الصقليـــ وكان غالبية الجنود من البربر "الأمازيغ"، وتحديدا من قبيلة "كتامة"، وكانت تلك القبيلة شديدة الإخلاص للمعز لدين الله ويتبعون المذهب الشيعي الإسماعيلي، وقد جاءوا مع الجيش لفتح مصر الذي لم يشهد أي حروب دامية لأن المصريين وقتها كانوا في حالة كراهية شديدة للدولة الإخشيدية في نهاية عصرها. ولذا أقول وفقا للروايات الأمازيغية إن الأمازيغ هم من بنوا القاهرة، وأطلقوا عليها هذا المسمي نسبة إلي كوكب القاهر، وهو كوكب المريخ أو "مارس" باللغة الانجليزية، و"مارس" اسم إله الحرب عند الرومان وفقا لما هو معروف في المثيولوجيا الرومانية كما أن كوكب القاهر رمز للحرب، في حين كان يعتبره الناس مصدرا للشؤم إذا صعد في السماء فجأة، وهو ما حدث أثناء وضع أساس القاهرة، فتشاءموا لكنهم عاندوا من أجل كسر هذا الشؤم وأطلقوا عليها القاهرة.
كلمة «النيل» ايضا كلمة أمازيغية، أطلقناها علي النهر أثناء موجة الهجرة الأولي وقد كان المصريون يطلقون عليه اسم "حابي" وهو اسم إله النيل أما كلمة "نيل" في الأمازيغية فتعني الأزرق، ومنها أطلق لفظ "نيلة" التي تطلق علي المادة الزرقاء التي تستخرج منه للاستخدام في التحنيط، وعندما جاء العرب أضافوا للفظ حرفي "الألف واللام".
> هل هناك تقسييم معين للأمازيع في العالم؟
ـــ الأمازيغ يعيشون في العالم في صورة مجموعات.
> لم أقصد هذا المعني لكنني أردت الحديث عن التقسيم الاولي للأمازيغ القائم علي فريقين، هما أمازيغ الشرق وأمازيغ الغرب.. هل هذا التقسيم لايزال قائما حتي الآن في التعامل بين الأمازيغ؟
ـــ هذا التقسيم بات تاريخا، ولم يعد له أي اعتبار في تعاملاتنا اليوم.
> هناك اتهام دائم للعرق الأمازيغي بأنهم يقدمون ولاءهم لفكرهم وثقافتهم علي ولائهم للوطن الذي يعيشون فيه .. ما حقيقة هذا الاتهام؟
ـــ أنا لا أعرف وطنا لي غير مصر وجميع الأمازيغ الذين استوطنوا واحة سيوة منذ 3 آلاف عام، جاءوا ضيوفا ثم استوطنوا ولم يعد لهم موطن إلا مصر.
> لماذا يلاحظ ان النزعة العرقية عند الأمازيغ أقوي من النزعات الدينية والقومية لدي أقليات العديد من الدول خاصة الدول التي شهدت أزمات مع أصحاب هذه الثقافة؟
ـــ لأننا ـــ الأمازيغ ـــ موزعون بين العديد من الدول، ولم تعد هناك "تمازغا"ـــ حيث ذاب الوطن الأم، ولم يعد لنا إلا التماسك للبقاء، ولولا ذلك ما بقينا حتي الآن. لقد ساعد النظام في المغرب علي استمرار الأمازيغ في العالم لأنه تاريخياً كانت هناك بعض الأسر العربية التي تأتي للحكم، وكذلك بعض الأسر الأمازيغية مما كان يتسبب في حدوث العديد من الاضطرابات خاصة، أن 70% من الشعب المغربي من أمازيغ، وعندما جاءت أسرة الملك محمد السادس "الأشراف العلويين" إلي الحكم منذ 500 إلي 600 عام وضعوا قانوناً ينص علي أن يكون الملك عربياً وزوجته أمازيغية، وظل هذا الأمر حتي الآن مما ساعد علي استقرار الحكم في المغرب.
> هل كانت المغرب تاريخيا هي الموطن الأصلي للأمازيغ؟
ـــ شمال أفريقيا ككل هي الوطن الأصلي للأمازيغ، وهو ما يسميه الأمازيغ "تمازغا"، ويمتد عرضا من ليبيا شرقا حتي جزر كناري غربا، مرورا بتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، ويمتد طولا من حدود جنوب البحر المتوسط شمالا حتي صحراء أفريقيا الكبري جنوبا، حيث تقع أجزاء من مالي والنيجر وبوركينا فاسو. ويوجد أمازيغ في الجزائر بنسبة 10%، وبنسبة 5% في تونس وليبيا وبنسبة 100% في موريتانيا، أما مصر فتضم نسبة بسيطة من الأمازيغ حوالي 21 ألف أمازيغي يتمركزون في مدينة سيوة مع الأخذ في الاعتبار أن سيوة ليست جزءا من "تمازغا" ـــ وطن الأمازيغ ـــ وإنما هي أرض مصرية استوطنها الامازيغ منذ 3 آلاف عام تقريبا.
> هل هناك شكل معين لتعامل الدولة مع أمازيغ سيوة؟
ـــ لا يوجد ما يسمي بالمؤسسة الأمازيغية في مصر، أما بالنسبة للأمازيغ في مدينة سيوة فإن التعامل معهم يتم من خلال شيوخ القبائل الذين اعترفت بهم الدولة كعمد رسميين، فالحكومة المصرية تتعامل معنا كمواطنين مصريين ولا تفرق في المعاملة بيننا وبين بقية الشعب المصري.
> البعض يري أن قلة عدد أمازيغ مصر في واحة سيوة والمتغيرات التي حدثت خلال القرنين الماضيين كانت كفيلة بالقضاء عليهم .. من وجهة نظرك لماذا استمر الأمازيغ حتي الآن؟
ـــ حتي الآن لم تنجح الأيادي الشريرة أن تمتد إلينا من الخارج لتعصينا علي الدولة.."مفيش أسافين اضربت لغاية دلوقتي" بيننا والدولة.
> هل الخشية من "أسافين" مع الدولة كانت السبب وراء رفض الأمازيغ الدعوة التي طرحها المهندس عدلي أباديرـــ زعيم أقباط المهجرـــ للمشاركة في مؤتمر الأقليات في مصر؟
ـــ يبدو أن عدلي أبادير ينوي ضرب "أسافين" بين الأمازيغ والدولة، ويبدو أيضا أنه "مش عارف يعمل إيه ولا إيه علشان يؤذي هذا البلد" لكن هذا لن يحدث، فنحن لا نعرفه من قبل وليس لنا مشاكل مع حكومة بلدنا حتي نستجيب له.
> كيف يتم التواصل بين الأمازيغ عبر العالم
ـــ هناك مؤسسة رسمية تجمعنا هي الكونجرس العالمي الأمازيغي، وهي مؤسسة عالمية معترف بها دوليا وتعد المتحدث الرسمي باسم الشعب الأمازيغي في جميع المحافل الدولية، كما أن هناك الكونفيدرالية الأمازيغية، وهي مؤسسة تنسق بين جميع الجمعيات الأهلية الأمازيغية، بالإضافة إلي وجود عدد من الصحف والقنوات الفضائية والإذاعية، أما بالنسبة للشكل غير الرسمي فهو قائم علي الود والتواصل بين أبناء العائلات والقبائل المختلفة
نطالب «التربية والتعليم» بتدريس اللغة الأمازيغية لأبناء سيوة حتي لا تنقرض
فتحي الكيلاني.. شيخ قبيلة «الظناين» السيوية:
سيوة تضم 11 قبيلة أمازيغية هي قبائل «الظناين» و«الحدادين» و«اللحمودات» و«الشرامطة» و«الجواسيس» و«أولاد موسي» و«السراحنة» و«الشحايم» و«أغورمي» و«قرية أم الصغير» و«الشهيبات»
بدأت يومي الثالث في مدينة الأمازيغ بسيوة في مناطق نفوذ قبيلة "الظناين" الأكبر في تلك المنطقة،حجم القبيلة تطلب أن يتولي أمر المشيخة فيها شيخان هما الشيخ فتحي الكيلاني والشيخ عبدالرحمن الدميري. اليوم أيضا هو موعد لقائي مع الشيخ فتحي الكيلاني، لقاء تطلب محاولات مضنية استمرت يومين. الآن حل المساء علي مدينة الأمازيغ وعلي أن أتوجه إلي بيت الشيخ فتحي الكيلاني، أمسكت بأدواتي وانطلقت إليه. تقارب الساعة الآن منتصف الليل ورغم ذلك علي أن ألحق بالشيخ قبل أن يعود إلي دوامة الانشغال بحل القضايا التي يحيلها إليه قسم الشرطة أو التي يلجأ إليه فيها أبناء قبيلته أو القبائل الأخري.
دخلت إلي المكان الذي يجلس فيه الشيخ ويستقبل ضيوفه، وكان جالسا فنهض ليصافحني ويرحب بي، وسرعان ما أدرك دون سابق معرفة بيننا أنني الشخص الذي ينتظره. قررت أن اختصر عليه الطريق وطلبت منه سرعة إجراء الحوار حتي يعود إلي مشاغله التي تنتظره.. وإلي نص الحوار:
> لماذا يتولي مشيخة قبيلة الظناين اثنان من الشيوخ؟
ـــ لأنها أكبر قبيلة في سيوة، ولابد أن يكون لها شيخان، وقد كان من قبلي في هذا المنصب الشيخ أحمد سعيد الكيلاني، الذي توفاه الله فتوليت المشيخة خلفا له، وأيضا الشيخ محمد الدميري، الذي توفاه الله فخلفه ابنه الشيخ عبد الرحمن الدميري. تولي منصب المشيخة يكون بالانتخاب بين أبناء القبيلة ثم ترسل نتيجة الانتخاب إلي قسم الشرطة لاعتمادها والتعامل مع الشيخ الجديد بشكل رسمي من قبل وزارة الداخلية بعد أن تجري التحريات الأمنية المطلوبة عنه وتتأكد من نزاهته.
> علمت أن رتبة شيخ القبيلة في وزارة الداخلية هي "العمدة".. ما حقيقة هذا؟
ـــ لا.. نحن علي رتبة شيخ أما رتبة العمدة فتكون بالنسبة للعرب في مرسي مطروح.
> ما القبائل التي تعيش في سيوة وكم يبلغ عددها؟
ـــ يوجد في سيوة 11 قبيلة موجودة منذ عشرات السنين، هي قبائل "الحدادين" و"اللحمودات" و"الشرامطة" و"الجواسيس" و"أولاد موسي" و"السراحنه" و"الشحايم" و"أغورمي" و"قرية أم الصغير" و"الشهيبات" و"الظناين"
> ما أقدم قبيلة بين هذه القبائل؟
ـــ لا يمكن تحديد ذلك علي الإطلاق لأن تلك القبائل موجودة منذ زمن بعيد، فنحن في الأصل عرق أمازيغي ينحدر من دول شمال أفريقيا، لكن جئنا إلي هنا منذ آلاف السنين واستقر بنا الحال في سيوة، لذلك من الصعب أن أحدد أيهم أقدم من الأخري في النزول إلي سيوة.
> متي نزل الأمازيغ إلي سيوة؟
ـــ كان هذا منذ زمن بعيد جدا، لكن في عصر قريب كان جبل "شالي" هو الموطن الأساسي الذي يضم جميع القبائل، وكان محاطا بسور ضخم لرد أي هجوم من العرب أو الرحالة في الصحراء. وعدد القبائل حينها ـــ في عصر "شالي" ـــ حوالي 7 قبائل هي "الظناين" و"اللحمودات" و"الحدادين" و"أولاد موسي" و"الشحايم" و"أغورمي" و"الشرامطة" ثم انضم لهم ثلاث قبائل أخري في الفترة الأخيرة.
> هل كانت هناك ملابسات معينة لإنشاء تلك المدينة؟
ــ كان السبب الرئيسي لإنشائها هو رد الغزو القادم من ليبيا والعرب، فأنشأوا تلك المدينة علي منطقة عالية منعا لوصول الأعداء إليهم، ولكن مع مرور الوقت وانتهاء الغارات علي المدينة وتزايد عدد السكان، بدأوا بالنزول إلي البلد والعيش فيها. كانت سيوة بأكملها أراضي زراعية حتي منطقة السوق الموجودة في وسط المدينة كانت منطقة زراعات، ولم يكن في سيوة كلها إلا جبل "شالي" الذي تسكنه القبائل، لكننا الآن أصبحنا نعيش حياة غير التي كنا عليها في الماضي من الانفتاح والاختلاط بالآخرين.
> من المعروف أن العلاقة بين أهل سيوة الشرقية والغربية شهدت توترات قلت حدتها الآن.. فهل هناك أسباب محددة لهذا التقارب؟
> يرجع الفضل في هذا إلي رجل فاضل هو الشيخ أحمد الظافر حيث حاول الصلح بين الشرقيين والغربيين من خلال تنظيم خلوة للرجال من الطرفين في منطقة الدكرورـــ تبعد عن سيوة حوالي 5 كيلومتراتـــ للجلوس معا علي أن تستمر تلك الخلوة لمدة 3 أيام متواصلة هي الأيام القمرية من شهر أكتوبر أي أنها أيام 13و 14و 15 من الشهر الهجري المتزامن مع شهر أكتوبر، وخلالها يأكلون ويشربون معا. وقد أطلق الشيخ الظافر علي هذه الخلوة اسم "عيد الصلح"، وقد نجحت تلك الفكرة في إزالة الحواجز والحساسيات بين الطرفين، وبات تنظيم هذا العيد يتم بشكل سنوي، وقد سمي بـ "عيد الحصاد" لأنه يأتي متواكبا مع حصاد التمر والزيتون في شهر أكتوبر.
> من أين ينحدر الشيخ أحمد الظافر؟
ـــ كان من ليبيا.. وجاء إلي سيوة وأقام في منطقة "براني" لكنه كان رجلا صالحا واستطاع أن يؤثر علي الناس ويصنع الصلح بينهم.
> ما سبب الانفصال بين أبناء العرق الأمازيغي الموجود في سيوة ونظيره الموجود في المغرب والجزائر وليبيا؟
ـــ حدث شبه انفصال بيننا وبين أمازيغ شمال أفريقيا منذ زمن ليس بالبعيد، وهو ما أدي بدوره إلي اختلاف اللهجة، وفي هذا الشأن فأمازيغ شمال أفريقيا يعتبرون أنفسهم أصل اللغة والعرق في حين نعتبر أنفسنا نحن الأصل. لقد زارتني هنا العديد من الشخصيات الأمازيغية من المغرب والجزائر وكنا نتحدث معا بكل سهولة مع وجود بعض الاختلافات اللغوية البسيطة النابعة من البعد وعدم التواصل، كما أن اللغة الأمازيغية لديهم تكتب وتنطق وتدرس في المدارس، في حين تبقي الأمازيغية هنا منطوقة فقط.
> البعض يتحدث أن اللغة الأمازيغية مهددة الآن بالانقراض.. فلماذا لم تحدث حركة تدوين لها؟
ـــ هذا الأمر يرجع إلي وزارة التربية والتعليم فعليها أن تخصص حصصاً دراسية في المدارس لتدريس الأمازيغية والحفاظ عليها من خطر التحلل والضياع بمرور الزمن. يتحدث الطفل هنا اللغة السيوية منذ نعومة أظافره، فهي اللغة رقم واحد في التعامل بيننا، ولذلك لا أعتقد أنها ستنتهي مهما زاد عدد الوافدين إلي سيوة لأن السيويين أيضا في تزايد، ونحن حريصون علي بقاء لغتنا.
> لماذا أصبحت اللغة الأمازيغية جامدة لا تتطور حتي باتت معظم المصطلحات الحديثة باللغة العربية؟
ـــ هذا أمر يمكن طرحه للنقاش بين القبائل لأن المصطلحات العربية باتت كثيرة جدا في اللغة السيوية.
> إلي أي مدي يوجد تواصل بين أبناء العرق الأمازيغي في سيوة وأقاربهم في المغرب والجزائر؟
ـــ التواصل موجود لكن السبب الرئيس وراء حالة الانعزال هو البعد والانشغال أما بالنسبة لأهل سيوة فهناك مشكلة لدي من يهجرها ويقرر الانضمام إلي العمران مثل الإسكندرية لأن أبناءه يتكلمون فيما بعد العامية المصرية ولا يكون هناك حرص من آبائهم علي تعليمهم اللغة السيوية.
السؤال القادم مثل مرحلة فاصلة في الحوار مع الشيخ فتحي الكيلاني حيث قرر أمين الحزب الوطني في سيوة أن يتدخل ويجيب علي الأسئلة بدلا من الشيخ، كان أمين الحزب الوطني يجلس بجوار الشيخ فتحي الكيلاني وتبدو عليه علامات الثراء والوجاهة وظل ملازما لنا طول فترة إجراء الحوار. لا أعرف علي وجه التحديد إذا كان الشيخ فتحي هو الذي استدعاه لحضور الحوار أم أن حضوره كان مصادفة لكنه ظل "رقيبا" علي الحوار الذي دار بيني وبين الشيخ وكان يتدخل في بعض الأحيان إذا كان السؤال محرجا.. الآن قررت أن أوجه له عددا من الأسئلة :
> ما أسباب الحساسيات الدائمة بين الأمازيغ والعرب؟
ـــ بدأ الشيخ فتحي يجيب عن السؤال لكن مهدي المشري أمين الحزب الوطني بسيوة هم بمقاطعة الشيخ وتدخل قائلا : "مهلا يا شيخ فتحي.. الكلام ده هينشر".. وواصل بقوله: "شوف ياأستاذ.. نحن لا توجد بيننا وعرب مرسي مطروح أي حساسيات، فهم أهلنا وعشيرتنا وهناك علاقة ود ونسب ممتد بيننا".
> قلت له أنا لم أقصد أن هناك حساسيات في التعامل في العصر الحالي ولكني أتحدث عن وضع تاريخي بين الأمازيغ والعرب تذكره الكتب حتي اليوم؟
ـــ فرد مهدي المشري قائلا: دعنا نبعد عن الكتب وما يذكر فيها، وعلينا أن نتحدث عن الوضع القائم الذي لا يحمل أي عداوة بيننا والعرب، أما بالنسبة للبعد التاريخي فإن السبب الذي جعل أهل سيوة يقيمون قلعة "شالي" كان الغزو الذي يتعرضون له من قطاع طرق جاءوا من ليبيا، ودعم هذا الأمر غياب الأمن عن المنطقة لكن تلك الاحتياطات لم تكن بهدف رد العرب الموجودين هنا.
> هنا توقفت عن حواري مع الشيخ فتحي الكيلاني وتوجهت لحوار في مجال آخر مع أمين الحزب الوطني.. وسألته: لماذا تتسم الحياة في سيوة بعدم التعددية الحزبية.. فلا يوجد إلا الحزب الوطني فقط؟
ـــ فرد قائلا: ولماذا توجد أحزاب أخري إذا كان الحزب الوطني "عامل كل حاجة ومش مخلي حاجة معملهاش؟".إن جميع أهل سيوة ينتمون إلي الحزب الوطني عن اقتناع لأنهم لم يروا أي تقصير من حكومة الحزب في سيوة وإلا كان هناك ناس تسربوا إلي أحزاب المعارضة.
> هل هناك أحزاب سياسية حاولت العمل في سيوة أم أنها لم تحاول من الأساس؟
ـــ هناك بعض الأحزاب السياسية التي حاولت لكنها لم تجد لنفسها أرضية، فرحلت لأنها لم تجد من يستمع لها.
> يشهد شهر نوفمبر القادم انعقاد مؤتمر الحزب الوطني.. ماذا تنوي طرحه علي مؤتمر الحزب لتنفيذه علي أرض سيوة؟
ـــ وأنا أطرح ليه.. ما دام الحزب الوطني عامل كل حاجة
----------
21 ألف أمازيغي يعيشون في سيوة.. وجئنا ضيوفا إلي مصر ولا نعرف وطنا غيرها
أماني الوشاحي.. الباحثة الأمازيغية المصرية ذات الجذور المغربية لـ «البديل»:
عدلي أبادير ينوي ضرب «أسافين» بين الأمازيغ والدولة.. و«مش عارف يعمل إيه ولا إيه علشان يؤذي هذا البلد».. والأمازيغ لن يستجيبوا له
قالت الناشطة والباحثة الأمازيغية أماني الوشاحي «إن ما يتردد حول ميول أمازيغ مصر إلي العرق والأصل الذي انحدروا منه علي حساب وطنهم غير صحيح»، وأكدت في حوارها مع "البديل" أن وجود الأمازيغ في مصر يمتد إلي 3 آلاف عام حيث حكموا مصر لمدة 200 عام في أعقاب سقوط حكم الملك رمسيس. ووفقا للباحثة الأمازيغية فإن الأمازيغ الذين جاءوا مع الفاطميين هم من بنوا القاهرة وأطلقوا عليها هذا المسمي، كما أنهم أول من أطلقوا علي نهر النيل لفظ "نيل". وأوضحت أماني الوشاحي أن أمل الأمازيغ الوحيد للبقاء هو التماسك، ولولا الحرص علي هذا التماسك لانتهينا منذ سنوات طوال، وفيما يلي نص الحوار..
> متي بدأ استيطان الأمازيغ في مصر؟
ـــ يعود استيطان الأمازيغ في مصر إلي عصر الملك رمسيس الثالث الذي اعتاد أن يأتي بمرتزقة من ليبيا لاستخدامهم في الحروب التي كان يخوضها، وكان معظمهم من الامازيغ، وتحديدا من قبيلة اسمها "الميشوش"، ومع مرور الوقت ازداد عددهم واستوطنوا مصر. عندما مات رمسيس الثالث توالي علي العرش 6 ملوك باسم رمسيس، وكانوا جميعا ضعفاء، فاستقوي الامازيغ بالجيش وسيطروا عليه إلي حد بعيد جدا، وفي عام 950 قبل الميلاد استولي "شيشينق" القائد الأمازيغي في الجيش المصري علي العرش، وحكم مصر باسم الملك "شيشينق الاول". واستمر حكم الأمازيع لمصر لمدة 200 عام، شكلوا خلالها الأسر 22 و23 و24 حتي سقط حكمهم علي يد النوبيين بزعامة الملك "بعنخي" وقد حكموا مصر لمدة 15 عاما وشكلوا الاسرة رقم 25، ورغم سقوط حكم الامازيغ إلا أنهم ظلوا موجودين في صحراء مصر الغربية لكن عددهم تقلص مع مرور الوقت، وانحصروا في مصر في منطقة "سيوة".
> هل ارتبط التأريخ الحقيقي لوجود الأمازيغ في مصر باعتلائهم العرش فقط؟
ـــ هذا الأمر ليس له علاقة بمصر تحديدا بقدر ما له علاقة بموضوع الأغلبية والأقلية داخل الوطن الواحد، فالأمازيغ منذ عصر الملك رمسيس الثالث كانوا أقلية ومع ذلك فإن الروايات الشعبية الأمازيغية تقول إن الامازيغ حاربوا الملك رمسيس الثالث وانتصروا عليه واعتلي قائدهم "شيشينق الاول" العرش، وإن كانت تلك الروايات الشعبية مبالغ فيها ولا يوجد لها سند تاريخي، فإن الحقيقة الثابتة أن الأمازيغ اعتلوا العرش بعد حكم الملك رمسيس. كان هذا انتصارا عظيما عندما حكمت الأقلية أغلبية مصر وقت أن كانت دولة كبري جدا في ذاك الزمن.
> كم عدد الأمازيغ الذين دخلوا مصر في عهد الملك رمسيس الثالث؟
ـــ دخول الامازيغ إلي مصر تم علي عدة موجات من الهجرة السلمية لأن دخولنا إلي مصر كان بطلب من الملك الذي كانت لديه قناعة تامة بإخلاص الامازيغ التام له وللجيش ثم انقلبوا فيما بعد عندما زاد نفوذهم في الجيش. حدثت موجة هجرة ثانية بعد الهجرة الأولي في عهد رمسيس الثالث، جاءت تلك الموجة مع جيش المعز لدين الله الفاطميـــ رابع خلفاء الدولة العبيدية في المغربـــ الذي قرر فتح مصر، ولم يكن أمازيغياً بل عربيا رغم مجيئه من المغرب حيث يعود نسبه العربي إلي الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق أي انه كان شيعيا اسماعيليا. أرسل المعز لدين الله جيشا قوامه 100 ألف جندي لفتح مصر مع عبد له من صقلية ـــ جوهر الصقليـــ وكان غالبية الجنود من البربر "الأمازيغ"، وتحديدا من قبيلة "كتامة"، وكانت تلك القبيلة شديدة الإخلاص للمعز لدين الله ويتبعون المذهب الشيعي الإسماعيلي، وقد جاءوا مع الجيش لفتح مصر الذي لم يشهد أي حروب دامية لأن المصريين وقتها كانوا في حالة كراهية شديدة للدولة الإخشيدية في نهاية عصرها. ولذا أقول وفقا للروايات الأمازيغية إن الأمازيغ هم من بنوا القاهرة، وأطلقوا عليها هذا المسمي نسبة إلي كوكب القاهر، وهو كوكب المريخ أو "مارس" باللغة الانجليزية، و"مارس" اسم إله الحرب عند الرومان وفقا لما هو معروف في المثيولوجيا الرومانية كما أن كوكب القاهر رمز للحرب، في حين كان يعتبره الناس مصدرا للشؤم إذا صعد في السماء فجأة، وهو ما حدث أثناء وضع أساس القاهرة، فتشاءموا لكنهم عاندوا من أجل كسر هذا الشؤم وأطلقوا عليها القاهرة.
كلمة «النيل» ايضا كلمة أمازيغية، أطلقناها علي النهر أثناء موجة الهجرة الأولي وقد كان المصريون يطلقون عليه اسم "حابي" وهو اسم إله النيل أما كلمة "نيل" في الأمازيغية فتعني الأزرق، ومنها أطلق لفظ "نيلة" التي تطلق علي المادة الزرقاء التي تستخرج منه للاستخدام في التحنيط، وعندما جاء العرب أضافوا للفظ حرفي "الألف واللام".
> هل هناك تقسييم معين للأمازيع في العالم؟
ـــ الأمازيغ يعيشون في العالم في صورة مجموعات.
> لم أقصد هذا المعني لكنني أردت الحديث عن التقسيم الاولي للأمازيغ القائم علي فريقين، هما أمازيغ الشرق وأمازيغ الغرب.. هل هذا التقسيم لايزال قائما حتي الآن في التعامل بين الأمازيغ؟
ـــ هذا التقسيم بات تاريخا، ولم يعد له أي اعتبار في تعاملاتنا اليوم.
> هناك اتهام دائم للعرق الأمازيغي بأنهم يقدمون ولاءهم لفكرهم وثقافتهم علي ولائهم للوطن الذي يعيشون فيه .. ما حقيقة هذا الاتهام؟
ـــ أنا لا أعرف وطنا لي غير مصر وجميع الأمازيغ الذين استوطنوا واحة سيوة منذ 3 آلاف عام، جاءوا ضيوفا ثم استوطنوا ولم يعد لهم موطن إلا مصر.
> لماذا يلاحظ ان النزعة العرقية عند الأمازيغ أقوي من النزعات الدينية والقومية لدي أقليات العديد من الدول خاصة الدول التي شهدت أزمات مع أصحاب هذه الثقافة؟
ـــ لأننا ـــ الأمازيغ ـــ موزعون بين العديد من الدول، ولم تعد هناك "تمازغا"ـــ حيث ذاب الوطن الأم، ولم يعد لنا إلا التماسك للبقاء، ولولا ذلك ما بقينا حتي الآن. لقد ساعد النظام في المغرب علي استمرار الأمازيغ في العالم لأنه تاريخياً كانت هناك بعض الأسر العربية التي تأتي للحكم، وكذلك بعض الأسر الأمازيغية مما كان يتسبب في حدوث العديد من الاضطرابات خاصة، أن 70% من الشعب المغربي من أمازيغ، وعندما جاءت أسرة الملك محمد السادس "الأشراف العلويين" إلي الحكم منذ 500 إلي 600 عام وضعوا قانوناً ينص علي أن يكون الملك عربياً وزوجته أمازيغية، وظل هذا الأمر حتي الآن مما ساعد علي استقرار الحكم في المغرب.
> هل كانت المغرب تاريخيا هي الموطن الأصلي للأمازيغ؟
ـــ شمال أفريقيا ككل هي الوطن الأصلي للأمازيغ، وهو ما يسميه الأمازيغ "تمازغا"، ويمتد عرضا من ليبيا شرقا حتي جزر كناري غربا، مرورا بتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، ويمتد طولا من حدود جنوب البحر المتوسط شمالا حتي صحراء أفريقيا الكبري جنوبا، حيث تقع أجزاء من مالي والنيجر وبوركينا فاسو. ويوجد أمازيغ في الجزائر بنسبة 10%، وبنسبة 5% في تونس وليبيا وبنسبة 100% في موريتانيا، أما مصر فتضم نسبة بسيطة من الأمازيغ حوالي 21 ألف أمازيغي يتمركزون في مدينة سيوة مع الأخذ في الاعتبار أن سيوة ليست جزءا من "تمازغا" ـــ وطن الأمازيغ ـــ وإنما هي أرض مصرية استوطنها الامازيغ منذ 3 آلاف عام تقريبا.
> هل هناك شكل معين لتعامل الدولة مع أمازيغ سيوة؟
ـــ لا يوجد ما يسمي بالمؤسسة الأمازيغية في مصر، أما بالنسبة للأمازيغ في مدينة سيوة فإن التعامل معهم يتم من خلال شيوخ القبائل الذين اعترفت بهم الدولة كعمد رسميين، فالحكومة المصرية تتعامل معنا كمواطنين مصريين ولا تفرق في المعاملة بيننا وبين بقية الشعب المصري.
> البعض يري أن قلة عدد أمازيغ مصر في واحة سيوة والمتغيرات التي حدثت خلال القرنين الماضيين كانت كفيلة بالقضاء عليهم .. من وجهة نظرك لماذا استمر الأمازيغ حتي الآن؟
ـــ حتي الآن لم تنجح الأيادي الشريرة أن تمتد إلينا من الخارج لتعصينا علي الدولة.."مفيش أسافين اضربت لغاية دلوقتي" بيننا والدولة.
> هل الخشية من "أسافين" مع الدولة كانت السبب وراء رفض الأمازيغ الدعوة التي طرحها المهندس عدلي أباديرـــ زعيم أقباط المهجرـــ للمشاركة في مؤتمر الأقليات في مصر؟
ـــ يبدو أن عدلي أبادير ينوي ضرب "أسافين" بين الأمازيغ والدولة، ويبدو أيضا أنه "مش عارف يعمل إيه ولا إيه علشان يؤذي هذا البلد" لكن هذا لن يحدث، فنحن لا نعرفه من قبل وليس لنا مشاكل مع حكومة بلدنا حتي نستجيب له.
> كيف يتم التواصل بين الأمازيغ عبر العالم
ـــ هناك مؤسسة رسمية تجمعنا هي الكونجرس العالمي الأمازيغي، وهي مؤسسة عالمية معترف بها دوليا وتعد المتحدث الرسمي باسم الشعب الأمازيغي في جميع المحافل الدولية، كما أن هناك الكونفيدرالية الأمازيغية، وهي مؤسسة تنسق بين جميع الجمعيات الأهلية الأمازيغية، بالإضافة إلي وجود عدد من الصحف والقنوات الفضائية والإذاعية، أما بالنسبة للشكل غير الرسمي فهو قائم علي الود والتواصل بين أبناء العائلات والقبائل المختلفة
تاريخ الأمازيغ في مصر 2758 عامــا من العزلة «3 » ه
ملف يحققه : يوسف عبد ربه
أولاً ما هي طبيعة العلاقة بين الأمازيغ وذويهم وأفرع قبائلهم في البلاد المجاورة؟ وهل من المتحتمل أن تلعب تلك العلاقات القبلية دوراً محتملاً في المستقبل القريب؟.. وهذا السؤال سيصبح مفهوما إذا أعدنا قراءة كلام الرئيس الليبي معمر القذافي عن «الأمازيغ» وحديث البعض عن أصول القذافي التي تمتد لقبائل أمازيغية. وثانياً: أين هو موقع الأمازيغ من ذهنية المؤسسة الحاكمة؟ فقبل سنوات عديدة، وتحديداً في نهاية الثمانينيات جاءت بعثات للتنقيب عن مقبرة الإسكندر الأكبر، وهو الأمر الذي تكرر لاحقاً، وذاع بين سكان سيوة - حيث عالم الأمازيغ - أن الدولة وجدت مقبرة الإسكندر لكنها تخشي الإعلان عنه نظراً لعدة حسابات لن تكون «سيوة» والأمازيغ بالتبعية بمعزل عنها.
وتسعي هذه الحلقة لرصد هذه التساؤلات والبحث في الإجابات الممكنة لها
ملف يحققه : يوسف عبد ربه
عبدالعزيز الدميري مدير متحف آثار سيوة يجيب عن السؤال الحائر:
هل يرقد الإسكندر الأكبر في ديار الأمازيغ؟
إعلان «عبدالحليم نور الدين» وجود مقبرة الإسكندر الأكبر عام 1996 في سيوة كان بهدف إبعاد نظر العالم عن وجود الإرهاب في مصر
«التمحو« و«التحنو» هم سكان غرب النيل عند الفراعنة.. والأمازيغ عند اليونان والرومان.. والسيويون عند المصريين
وسط منطقة مترامية علي أطراف سيوة.. وفي حضن جبل الموتي.. وفي وقت كانت الشمس عمودية حارقة.. والهدوء يسكن طرقات المدينة.. كان موعدي ظهر اليوم الثالث من زيارتي إلي مدينة "الأمازيغ" مع مدير متحف الآثار عبدالعزيز الدميري.. نبحث ونتناقش ونقلب أوراق رسالة ماجستير حول آثار سيوة وكتابه "سيوة.. الماضي والحاضر" كتبه الدميري نفسه.
سألناه فيما تتناقله الألسن حول مقبرة الإسكندر الأكبر التي يردد كثيرون أنها موجودة بسيوة،وحول زعم البعض ان هناك مساعي من الدولة للتعتيم علي هذا الكشف لعدم قدرة المدينة علي تحمل مردود مثل هذا الحدث عالميا ومحليا، و كذلك حول تفشي ظاهرة سرقة وتجارة الآثار التي باتت تفسيرا جاهزا لكل من تظهر عليه بشائر الثراء.
> إلي متي يؤرخ لمدينة سيوة؟
ــ بالنسبة للبعد التاريخي لمدينة سيوة، فإنه يمتد لما قبل التاريخ، وقد وجدنا حفائر أثرية تثبت هذا.. لكن أهم حقبة تاريخية وجدنا ما يؤكد وجودها في سيوة، كانت العصر الفرعوني المتأخر، فأقدم الآثار الموجودة تنتمي إلي الأسرتين 26 و30 .. أما العصور الفرعونية الأخري، مثل العصر الفرعوني الأول والثاني والدولة الوسطي، فلا توجد إشارات واضحة، وإن كان هناك بعض الإشارات التي وجدت علي آثار اكتشفت في وادي النيل، توضح أن هناك أقوامًًا يدعون "التمحو" و"التحنو" كانوا يعيشون غرب وادي النيل..في الصحراء.. وكان يطلق عليهم العديد من الاسماء، منها "المشواش" و"الليبو" و"أمينيو" مع اختلاف الأزمان، وكان من بينهم طبعا أهل سيوة.
> قرأت أن الأمازيغ دخلوا مصر في عصر الملك رمسيس الثالث، وكونوا الأسرات 23 و24 و25 ، ووصلوا إلي حكم مصر علي يد زعيمهم "شيشينق الأول" .. فهل التأريخ لمدينة سيوة يعود لاستيطان الأمازيغ فيها؟
ــ "نعم" .. لأن جميع الآثار التي عثر عليها أرخت لسيوة منذ العصر الفرعوني المتأخر، وهي نفس الفترة تقريبا التي دخل فيها الأمازيغ مصر وكونوا فيها أسرهم، حتي من بين الأسماء التي أطلقت علي هؤلاء الأقوام اسم "الليبو" ويرجح أن يكونوا أهل ليبيا الآن، وبالتالي فإن هذا الاسم أطلق أيضا علي أهل سيوة، بمقتضي القرب المكاني ووحدة اللغة.. أما بالنسبة لاسم الأمازيغ، فإنه لم يكن الاسم الذي جاءوا به إلي مصر، لكنه أطلق عليهم مؤخرا، متواكبا مع لفظ "البربر" هي مأخوذة من الكلمة اليونانية "برباروس".. يعني الأجنبي، حيث كان اليونانيون يطلقون هذا اللفظ علي أي فرد غير يوناني، كما أطلق الرومان نفس اللفظ علي كل من هو غير روماني، ومنهم سكان شمال أفريقيا ككل، دون تمييز لأنه لم تكن في ذلك الزمن حدود سياسية أو جغرافية لهيكل الدول القائم الآن.. واستمر لفظ أمازيغ يطلق علي شعوب شمال أفريقيا حتي الآن، ومنهم سكان سيوة، الذين يعتبرون امتدادا لنسل "التمحو" و"التحنو"، ولذلك تجد سمات مميزة بعض الشيء للأثار الموجودة في سيوةعن الآثار الموجودة حول النيل، فيما يخص الفنون والفلكلور وحتي رسم الملاك أو الأمير تجد لها طابعًا مختلفًا عن الرسم التقليدي له في وادي النيل.. لقد كان لأهل سيوة عبر الزمان، فترات ازدهار وتقدم .. وأخري انحسار وتقوقع وهذا أمر طبيعي في تاريخ الشعوب.. حيث عاشت سيوة في في عصر الرومان فترة ازدهار في المجال الزراعي والتجاري، ثم عاشت حالة من التراجع والانحسار والتقوقع، وانخفض عددهم إلي حد بعيد جدا، فبنوا قلعة "شالي" وأقاموا فيها لمواجهة خطر الغزو.
> إلي متي يعود تاريخ إنشاء "شالي"؟
ــ يقال إن تاريخ إنشائها يعود إلي القرن 12أو 13 الميلادي.. هذا بإجماع معظم الآراء.
> لماذا كانت فكرة إنشاءها؟
> القول الشائع بين الناس أن إنشاءها كان بهدف رد العدوان القادم عليها من العرب الرحل.. وهذا فيه جزء كبير من الحقيقة، لكن تبقي الحقيقة في أن سيوة في العصر الروماني كانت عبارة عن معبد الوحي ومن حوله عدة قري متناثرة، لأنه لم تكن هناك ضرورة ملحة لبناء قلاع أو البناء أعالي جبل للحيلولة دون وصول أحد إليك، لكن بعد عصر الإمبراطورية الرومانية سالت الفوضي في الصحراء الغربية وأخذت القبائل تغير علي بعضها بهدف الحصول علي الغذاء والحصاد الذي ينتج في مناطق الآبار المأهولة بالسكان، مما دفع أهالي سيوة لبناء قلعة عالية لمنع وصول الغزاه إليها.
> يقال أن الغزو كان يأتي من العرب علي أمازيغ سيوة وأن هذا سر العداء المستحكم بينهم فما حقيقة هذا؟
> قبل فتح عمرو بن العاص مصر لم يكن فيها عرب ولا بدو، وكانت القبائل الموجودة آنذاك هي قبائل "المشواش" و"الليبو" و"البيبو" و"أمونيون" وغيرهم، وبالتالي فإن الهجوم كان منها علي نفسها وكان هذا يتوقف علي نظام الحكم في كل فترة ومدي سيطرته علي الأمور.. أما الجزم بأن الهجوم الذي كان يحدث علي سيوة بعد دخول العرب إلي مصر مع عمرو بن العاص قد كان من العرب أو البدو فهذا أمر يصعب تأكيده أو الجزم بصحته من عدمه.
> لكن ما هو مدون تاريخيا أن هناك العديد من الحروب التي وقعت بين قادة الفتوحات الإسلامية والأمازيغ في فترة التبشير بالإسلام وهزم فيها جميع القادة الأمازيغ تقريبا مما سبب عداء بين الأمازيغ والعرب؟
ــ هذا صحيح فعلا، لكنه لم يكن في سيوة، بل كان في شمال أفريقيا، وتحديدا في المنطقة الموازية للبحر من الإسكندرية حتي "قرطاج".. وقد وقع العديد من الحروب في إقليم "برقة" ومنطقة "قرطاج" وهي تونس حاليا، بين العرب والأمازيغ، لكن سيوة كانت بعيدة عن هذا الخط.
> لماذا ظلت "شالي" مهملة حتي الآن، حتي بعد ضمها لهيئة الآثار ولم تلق الرعاية الكافية بدليل وجود سكان بها حتي الآن؟
ــ "شالي" يتم التعامل معها علي أنها مزار سياحي قبل ان تنشأ هيئة الآثار، وقد ظلت لفترة طويلة دون أن يتم ضمها بشكل رسمي إلي الهيئة، وقد حدث هذا مؤخرا بإصدار قرار وزاري باعتبارها موقعًا أثريا وجزءًا من الآثار الاسلامية، وهناك إجراءات مازالت تعكف الوزارة علي تنفيذها فيما يخص تأمين المدينة ووضع الحراسة عليها وإجراء الترميمات اللازمة.. أما بالنسبة لسوء حال المباني ب"شالي" فهذا حال أي أثر يتم الكشف عنه، كما أن الناس ليست موجودة داخل المباني ، لكنهم موجودون بجوارها أو أسفل الجبل العالي الذي بنيت عليه، ولا يوجد أي ساكن بداخلها.
> مازال أهل سيوة يعتقدون في وجود مقبرة الإسكندر الأكبر علي أرض سيوة، وهو الأمر الذي أثير عام 97 تقريبا ثم خرجت الجهات الرسمية لتكذيبه، ما مدي احتمالية وجود المقبرة علي أرض سيوة؟
ــ أولا الإسكندر الأكبر كان ملك مقدوني- يوناني..وقد ورث الحكم من أبيه، وذهب لتوحيد بلاد اليونان ثم اتجه إلي الإمبراطورية الفارسية وبلاد الشام ومصر,التي كانت تحت الاحتلال الفارسي وقتها.. وقد وصل إلي "منف" عقب دخوله إلي مصر، ثم تحرك نحو الإسكندرية فأسسها، ثم إلي سيوة ليتعبد للإله "آمون"، الذي كان يمثل قيمة روحية كبري بالنسبة لليونانيين، وأثناء وجوده في سيوة أوصي الإسكندر الأكبر بدفنه بجوار أبيه "آمون".. ثم ذهب لاستكمال حروبه ضد الفرس في الهند و"بابل" بالعراق وتوفي هناك، فاجتمع علي الفور قادة الجيش لإقرار مكان دفنه، واستقروا أخيرا علي دفنه في "مقدونيا" حيث مسقط رأسه، لكن "بطليموس" حاكم مصر آنذاك اعترض قائلا : لقد أوصي الإسكندر الأكبر بأن يدفن في "سيوة" بجوار أبيه "آمون".. ومن الواجب تنفيذ وصيته".. ثم أخذ الجثمان ودفنه في مصر، وقيل إنه دفن في "منف" وقيل إنه دفن بالإسكندرية وقيل إنه دفن في سيوة، وقد أجري العديد من الدراسات حول مكان مقبرة الإسكندر الأكبر ولم يعثر لها علي دليل دامغ يؤكد مكان وجودها.. لكن حصلت بعثة يونانية علي موافقة عام 1989 للبحث عن مقبرة الإسكندر الأكبر غرب سيوة وتحديدا في المعبد الدوري، وقد وجدت في هذا المكان مبني به زخارف فريدة من نوعها، ولما كان هدف البعثه الأكبر هو إيجاد مقبرة الإسكندر كان أي نقوش يتم الكشف عنها تصورها علي أنها خطوة جديدة نحو مقبرة الإسكندر، وقد أعلنت ذلك بالفعل عام 1996 وهي لم تكن كذلك، وقد كنت أنا ومصريا آخر ضمن أعضاء البعثة اليونانية التي قامت بالتنقيب، لكن كلام أعضاء البعثة كان أكثر مصداقية ورواجا في وسائل الإعلام، وقد تواكب هذا الإعلان مع الأحداث الإرهابية التي ضربت مصر آنذاك، فما كان من الدكتور عبد الحليم نور الدين- رئيس هيئة الآثار- آنذاك، إلا أنه أعلن أن هذا المكان مقبرة الإسكندر الأكبر لتوجيه نظر العالم عن الأحداث الإرهابية، وبالفعل جاءت الصحافة العالمية وكبري وسائل الإعلام إلي مصر.. لكن بعدها بفترة قصيرة تم عقد أكثر من مؤتمر في اليونان ومصر بحضور العديد من الباحثين الكبار الذين نفوا هذا الأمر تماما، قالوا إن الأدلة غير كافية وليس هناك ما يؤكد صحة هذا الادعاء.. وقد مر عام علي عمل البعثة في سيوة ثم منعت من مواصلة عملها بسبب المخالفات التي شابت عملها.. وتبقي حقيقة الأمر أن النقوش ليست للإسكندر الأكبر.
> كيف انتهيت إلي أن هذه النقوش ليست للإسكندر الأكبر؟
ــ من خلال الدراسات التي تمت علي الاكتشافات والنقوش التي خرجت من هذا التنقيب، حيث تم البحث في حقيقة العناصر المعمارية والنقوش، التي اتضح أنها عمارة رومانية وليست يونانية.
> كثيرا ما يتردد بين أبناء سيوة قصص حول سرقة الأثار، مستندة في ذلك إلي حركة السياحة التي باتت ملحوظة في الفترة الأخيرة، فما مدي صحة هذا؟
ــ هذا الأمر مرجعه إلي أن شباب هذا العصر لا يحب العمل أو الإنتاج إلا نادرا، فالكل يتمني أن يجد طريقه إلي الثراء السريع أو أن يؤمن حياته بصفقة.. في الغالب تكون غير مشروعة، وأقرب تلك الطرق في مدينة سيوة هي الآثار التي يجدونها أمامهم ليل نهار، ولذلك تخرج مثل هذه الشائعات، وخاصة بعد واقعة الكشف عن مقبرة الإسكندر الأكبر التي كانت مفاجأة للجميع، ومع ذلك فقد وصلنا إلي مرحلة شبه التأمين النهائي لجميع مواقع الآثار في جميع أنحاء سيوة.
------------------------
أحمد عبد الرحمن.. ابن قبيلة «الحدادين» يحكي حكاية القبائل والأعراق:
أمازيغ مصر .. فرع انقطع عن الشجرة الأم
الاتصال بين أمازيغ مصر وأقاربهم في العالم قائم علي العلاقات الشخصية وليس اتصال قبائل
معمر القذافي ليس عربيا ولكنه أمازيغي
و هناك تواصل بين أمازيع مصر وأمازيع ليبيا ولكن في إطار شخصي ونسبة كبيرة ممن نتصور أنهم من البربر أصلهم عربي اساساً..
هذا ما كشفه لنا احمد عبد الرحمن- عضو مجلس إدارة جمعية سيوة لتنمية المجتمع- احد شباب قبيلة الحدادين وأحد المطلعين والمهتمين بتاريخ الحضارة الأمازيغية..التقيته مساء آخر أيام رحلتي إلي مدينة الأمازيغ.
> كيف يمكن أن تصف وضع الأمازيغ في الدولة المصرية؟
ــ نحن "عرق" انقطع عن الشجرة الام .."نعم" يحدث تلاق بين بعض الأفراد كما حدث مؤخرا والتقيت ببعض الأمازيغ الذين يعيشون في فرنسا وشعرت تجاههم بحنين شديد لأنهم علي الاقل كانوا يتحدثون اللغة الأمازيغية التي تشعرنا بأمازيغيتنا، لكن مثل هذا الود لا يدوم كثيراً، لأنه قائم علي التواصل الوقتي وليس هناك جسور لاستمرار هذا التواصل
> لماذا لم يعد هناك تواصل بين الامازيغ في مصر وباقي الامازيغ في الدول الاخري؟ ــ كان هناك ود وتواصل حتي فترة قصيرة، لكنه أخذ يضعف شيئاً فشيئاً حتي بات شبه منقطع وكانت "ليبيا" هي آخر الدول التي كنا علي تواصل معها بمقتضي القرب المكاني بيننا، أما دول أخري مثل المغرب والجزائر فإن الود بيننا انقطع منذ زمن.
> لكنني سمعت أكثر من مرة من أبناء المدينة أن هناك زيارات مستمرة من شخصيات مغربية وجزائرية للمدينة؟
ــ يحدث نادرا أن يأتي أحد، يسأل عن أقاربه أو ابناء قبيلته، وهذا اتصال ضعيف لأنه اتصال أشخاص وليس اتصال قبائل كما كان في الماضي.. فأنا مثلا أنتمي إلي قبيلة الحدادين، وهي في الاساس قبيلة ليبية، موجودة في منطقة "ترهونة" ونحن نعتبر فرعاً لها، لكن الود بيننا ضعيف ويكاد يكون مقتصراً علي لقاء الأفراد.. لقد حدث مع مرور الزمن نوع من التجانس بين القبائل الامازيغية والعربية، فباتت بعض القبائل الامازيغية "مستعربة".. والعكس.. فهناك بعض القائل العربية "المتبربرة" ولذك تجد قبيلة مثل الحدادين تضم قرابة 60% منها من العرب و40% منها من الأمازيغ، وتبقي حقيقة الأمر ان هذه القبيلة أمازيغية وكل من انتمي اليها من العرب اكتسب العادات الأمازيغية، ولذا تجد العقيد معمر القذافي دائما ما يعترف بأمازيغية المنطقة لأنه أصلاً أمازيغي .
> متي دخل الأمازيغ إلي مصر علي وجه التحديد؟
ــ لقد مر علي سيوة العديد من الحضارات.. الفرعونية واليونانية والرومانية.. ثم كان دخول الأمازيغ إلي مصر ثم دخول الإسلام، ويبقي الوضع حاليا في أن الامازيغ أقلية بالنسبة للعرب في سيوة، لكن الامازيغ لهم الكلمة والسيطرة الكبري علي مجريات الاحداث، بدليل أن القبائل العربية التي انضمت إلينا مؤخرا باتت تتحدث اللغة الامازيغية التي نتحدثها، ساعدهم في ذلك إصرار الأمازيغ علي التمسك بعاداتهم وتقاليدهم ولغتهم، مما أرغم كل من انضم إلينا علي اكتساب نفس العادات والتقاليد واللغة.. وتعد قبيلة "الزناين" هي أقدم القبائل الأمازيغية علي الاطلاق، وتضم بيتي عائلة "بغي" وعائلة "جبة" وهما من أصل أمازيغي، أما قبيلة الحدادين فنسبة 60% من البيوت بها من القبائل العربية، ونسبة لا تتجاوز 30% منها من القبائل الأمازيغية، وهذا هو الوضع بالنسبة لباقي القبائل في سيوة، لكن يبقي أساس كل هذه القبائل من الأمازيغ .
> متي انفصلت سيوة عن دولة "تامزغا" الكبري؟
ــ دولة "تامزغا" الكبري كانت تضم العديد من الدول الآن ومنها المغرب والجزائر وتونس والاردن وليبيا وموريتانيا، وكان ذلك أول وعاء يحوي تلك الدول في شكلها الحالي، الذي أخذ يتحور متأثراً بالظروف والمتغيرات الدولية حتي أصبحت علي ما هي عليه الان، لكن عملية الفصل الفعلي لسيوة عن دولة "تامزغا" بدأت مع الفتوحات الاسلامية، حين تم تقسيم دول الشمال إلي المغرب الأدني وهيا دولة المغرب.. والمغرب الاوسط وهما دولتيا تونس والجزائر.. ثم منطقة "برقة" التي تضم ليبيا وسيوة، أما قبل ذلك فكانت جميعها مناطق أمازيغية وإلي هذا الوقت فإن الرئيس الليبي معمر القذافي يردد هذه الحقيقة التاريخية، فقد قال في أكثر من خطاب له "علينا أن نعترف بأمازيغية المنطقة التي تضم أكثر من 90% من سكان المنطقة ولهم حقوق في البلد أكثر منا نحن العرب".
> ما سر خروج عيد الحصاد وبقائه حتي الآن؟
ــ مرت سيوة بفترة حروب شديدة بين سكان المنطقة الشرقية والغربية،لأن أول من نزل بسيوة كان الأمازيغ، وقد سكنوا المنطقة الشرقية ثم جاء العرب وسكنوا المنطقة الغربية، ونشبت بينهم خلافات واسعة كانت تدفع القبائل للدخول في تحالفات ضد بعضهم البعض، مما جعل "محمد علي باشا" يرسل لهم جيوشا لتهدئة التوتر الدائر بينها، وكان ذلك في الفترة التي نزل فيها الأمازيغ من مدينتهم أعالي الجبل إلي الأرض المستوية المحيطة بها، إلا أن التوتر ظل قائما لأنه كان يختار حاكما علي المدينة من بينهم فكان المعسكر ـ الذي لم يأت منه الحاكم ـ يري في هذا ظلما له، فيعود التوتر من جديد، حتي اختار "محمد علي باشا" حاكما من كل معسكر ليحكم القبائل التي خرج منها.. وبالفعل أدي هذا إلي نوع من الاستقرار والهدوء بين سكان الشرق والغرب نوعا ما، لكنه كان يعود بين الحين والآخر.
> ومن أين جاءت فكرة العيد؟
ــ كان الوضع المتوتر دائما بين سكان الشرق والغرب مدعاة لكثير من الوساطات التي حاولت مرارا وتكرارا تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وبالفعل جاء إلي المدينة شيخ يدعي "محمد السيد السنوسي" وهو شيخ للطريقة السنوسية، وكان يسكن منطقة "جغبوب" علي حدود سيوة وهي تابعة الآن لليبيا، وكان أصله يعود إلي المدينة المنورة، ثم خرج منها إلي منطقة "مستخدمة" بالجزائر حيث أقام وتربي بين الامازيغ هناك قبل أن يأتي إلي "جغبوب" وهو الذي قاد عملية المصالحة بين الشرق والغرب، فقد اقترح خروج رجال سيوة الشرقية والغربية إلي منطقة الدكرور للإقامة معا لمدة 3 أيام، يأكلون ويشربون معا للتقريب بينهم، وأن يتم تزويج 10 فتيات من سيوة الشرقية لـ 10 شباب من سيوة الغربية.. والعكس.. إيمانا بأن صلة النسب هي القادرة علي محو أي عداء.. وهذا ما تحقق بالفعل، ولذا فقد باتت تلك الأيام الثلاثة عيدا سنويا للمدينة بمناسبة إنهاء الصراع بين قطبي المدينة.. ثم اكتسب هذا العيد فيما بعد اسم عيد الحصاد لأنه يأتي متواكبا مع موسم حصاد التمر والزيتون
وتسعي هذه الحلقة لرصد هذه التساؤلات والبحث في الإجابات الممكنة لها
ملف يحققه : يوسف عبد ربه
عبدالعزيز الدميري مدير متحف آثار سيوة يجيب عن السؤال الحائر:
هل يرقد الإسكندر الأكبر في ديار الأمازيغ؟
إعلان «عبدالحليم نور الدين» وجود مقبرة الإسكندر الأكبر عام 1996 في سيوة كان بهدف إبعاد نظر العالم عن وجود الإرهاب في مصر
«التمحو« و«التحنو» هم سكان غرب النيل عند الفراعنة.. والأمازيغ عند اليونان والرومان.. والسيويون عند المصريين
وسط منطقة مترامية علي أطراف سيوة.. وفي حضن جبل الموتي.. وفي وقت كانت الشمس عمودية حارقة.. والهدوء يسكن طرقات المدينة.. كان موعدي ظهر اليوم الثالث من زيارتي إلي مدينة "الأمازيغ" مع مدير متحف الآثار عبدالعزيز الدميري.. نبحث ونتناقش ونقلب أوراق رسالة ماجستير حول آثار سيوة وكتابه "سيوة.. الماضي والحاضر" كتبه الدميري نفسه.
سألناه فيما تتناقله الألسن حول مقبرة الإسكندر الأكبر التي يردد كثيرون أنها موجودة بسيوة،وحول زعم البعض ان هناك مساعي من الدولة للتعتيم علي هذا الكشف لعدم قدرة المدينة علي تحمل مردود مثل هذا الحدث عالميا ومحليا، و كذلك حول تفشي ظاهرة سرقة وتجارة الآثار التي باتت تفسيرا جاهزا لكل من تظهر عليه بشائر الثراء.
> إلي متي يؤرخ لمدينة سيوة؟
ــ بالنسبة للبعد التاريخي لمدينة سيوة، فإنه يمتد لما قبل التاريخ، وقد وجدنا حفائر أثرية تثبت هذا.. لكن أهم حقبة تاريخية وجدنا ما يؤكد وجودها في سيوة، كانت العصر الفرعوني المتأخر، فأقدم الآثار الموجودة تنتمي إلي الأسرتين 26 و30 .. أما العصور الفرعونية الأخري، مثل العصر الفرعوني الأول والثاني والدولة الوسطي، فلا توجد إشارات واضحة، وإن كان هناك بعض الإشارات التي وجدت علي آثار اكتشفت في وادي النيل، توضح أن هناك أقوامًًا يدعون "التمحو" و"التحنو" كانوا يعيشون غرب وادي النيل..في الصحراء.. وكان يطلق عليهم العديد من الاسماء، منها "المشواش" و"الليبو" و"أمينيو" مع اختلاف الأزمان، وكان من بينهم طبعا أهل سيوة.
> قرأت أن الأمازيغ دخلوا مصر في عصر الملك رمسيس الثالث، وكونوا الأسرات 23 و24 و25 ، ووصلوا إلي حكم مصر علي يد زعيمهم "شيشينق الأول" .. فهل التأريخ لمدينة سيوة يعود لاستيطان الأمازيغ فيها؟
ــ "نعم" .. لأن جميع الآثار التي عثر عليها أرخت لسيوة منذ العصر الفرعوني المتأخر، وهي نفس الفترة تقريبا التي دخل فيها الأمازيغ مصر وكونوا فيها أسرهم، حتي من بين الأسماء التي أطلقت علي هؤلاء الأقوام اسم "الليبو" ويرجح أن يكونوا أهل ليبيا الآن، وبالتالي فإن هذا الاسم أطلق أيضا علي أهل سيوة، بمقتضي القرب المكاني ووحدة اللغة.. أما بالنسبة لاسم الأمازيغ، فإنه لم يكن الاسم الذي جاءوا به إلي مصر، لكنه أطلق عليهم مؤخرا، متواكبا مع لفظ "البربر" هي مأخوذة من الكلمة اليونانية "برباروس".. يعني الأجنبي، حيث كان اليونانيون يطلقون هذا اللفظ علي أي فرد غير يوناني، كما أطلق الرومان نفس اللفظ علي كل من هو غير روماني، ومنهم سكان شمال أفريقيا ككل، دون تمييز لأنه لم تكن في ذلك الزمن حدود سياسية أو جغرافية لهيكل الدول القائم الآن.. واستمر لفظ أمازيغ يطلق علي شعوب شمال أفريقيا حتي الآن، ومنهم سكان سيوة، الذين يعتبرون امتدادا لنسل "التمحو" و"التحنو"، ولذلك تجد سمات مميزة بعض الشيء للأثار الموجودة في سيوةعن الآثار الموجودة حول النيل، فيما يخص الفنون والفلكلور وحتي رسم الملاك أو الأمير تجد لها طابعًا مختلفًا عن الرسم التقليدي له في وادي النيل.. لقد كان لأهل سيوة عبر الزمان، فترات ازدهار وتقدم .. وأخري انحسار وتقوقع وهذا أمر طبيعي في تاريخ الشعوب.. حيث عاشت سيوة في في عصر الرومان فترة ازدهار في المجال الزراعي والتجاري، ثم عاشت حالة من التراجع والانحسار والتقوقع، وانخفض عددهم إلي حد بعيد جدا، فبنوا قلعة "شالي" وأقاموا فيها لمواجهة خطر الغزو.
> إلي متي يعود تاريخ إنشاء "شالي"؟
ــ يقال إن تاريخ إنشائها يعود إلي القرن 12أو 13 الميلادي.. هذا بإجماع معظم الآراء.
> لماذا كانت فكرة إنشاءها؟
> القول الشائع بين الناس أن إنشاءها كان بهدف رد العدوان القادم عليها من العرب الرحل.. وهذا فيه جزء كبير من الحقيقة، لكن تبقي الحقيقة في أن سيوة في العصر الروماني كانت عبارة عن معبد الوحي ومن حوله عدة قري متناثرة، لأنه لم تكن هناك ضرورة ملحة لبناء قلاع أو البناء أعالي جبل للحيلولة دون وصول أحد إليك، لكن بعد عصر الإمبراطورية الرومانية سالت الفوضي في الصحراء الغربية وأخذت القبائل تغير علي بعضها بهدف الحصول علي الغذاء والحصاد الذي ينتج في مناطق الآبار المأهولة بالسكان، مما دفع أهالي سيوة لبناء قلعة عالية لمنع وصول الغزاه إليها.
> يقال أن الغزو كان يأتي من العرب علي أمازيغ سيوة وأن هذا سر العداء المستحكم بينهم فما حقيقة هذا؟
> قبل فتح عمرو بن العاص مصر لم يكن فيها عرب ولا بدو، وكانت القبائل الموجودة آنذاك هي قبائل "المشواش" و"الليبو" و"البيبو" و"أمونيون" وغيرهم، وبالتالي فإن الهجوم كان منها علي نفسها وكان هذا يتوقف علي نظام الحكم في كل فترة ومدي سيطرته علي الأمور.. أما الجزم بأن الهجوم الذي كان يحدث علي سيوة بعد دخول العرب إلي مصر مع عمرو بن العاص قد كان من العرب أو البدو فهذا أمر يصعب تأكيده أو الجزم بصحته من عدمه.
> لكن ما هو مدون تاريخيا أن هناك العديد من الحروب التي وقعت بين قادة الفتوحات الإسلامية والأمازيغ في فترة التبشير بالإسلام وهزم فيها جميع القادة الأمازيغ تقريبا مما سبب عداء بين الأمازيغ والعرب؟
ــ هذا صحيح فعلا، لكنه لم يكن في سيوة، بل كان في شمال أفريقيا، وتحديدا في المنطقة الموازية للبحر من الإسكندرية حتي "قرطاج".. وقد وقع العديد من الحروب في إقليم "برقة" ومنطقة "قرطاج" وهي تونس حاليا، بين العرب والأمازيغ، لكن سيوة كانت بعيدة عن هذا الخط.
> لماذا ظلت "شالي" مهملة حتي الآن، حتي بعد ضمها لهيئة الآثار ولم تلق الرعاية الكافية بدليل وجود سكان بها حتي الآن؟
ــ "شالي" يتم التعامل معها علي أنها مزار سياحي قبل ان تنشأ هيئة الآثار، وقد ظلت لفترة طويلة دون أن يتم ضمها بشكل رسمي إلي الهيئة، وقد حدث هذا مؤخرا بإصدار قرار وزاري باعتبارها موقعًا أثريا وجزءًا من الآثار الاسلامية، وهناك إجراءات مازالت تعكف الوزارة علي تنفيذها فيما يخص تأمين المدينة ووضع الحراسة عليها وإجراء الترميمات اللازمة.. أما بالنسبة لسوء حال المباني ب"شالي" فهذا حال أي أثر يتم الكشف عنه، كما أن الناس ليست موجودة داخل المباني ، لكنهم موجودون بجوارها أو أسفل الجبل العالي الذي بنيت عليه، ولا يوجد أي ساكن بداخلها.
> مازال أهل سيوة يعتقدون في وجود مقبرة الإسكندر الأكبر علي أرض سيوة، وهو الأمر الذي أثير عام 97 تقريبا ثم خرجت الجهات الرسمية لتكذيبه، ما مدي احتمالية وجود المقبرة علي أرض سيوة؟
ــ أولا الإسكندر الأكبر كان ملك مقدوني- يوناني..وقد ورث الحكم من أبيه، وذهب لتوحيد بلاد اليونان ثم اتجه إلي الإمبراطورية الفارسية وبلاد الشام ومصر,التي كانت تحت الاحتلال الفارسي وقتها.. وقد وصل إلي "منف" عقب دخوله إلي مصر، ثم تحرك نحو الإسكندرية فأسسها، ثم إلي سيوة ليتعبد للإله "آمون"، الذي كان يمثل قيمة روحية كبري بالنسبة لليونانيين، وأثناء وجوده في سيوة أوصي الإسكندر الأكبر بدفنه بجوار أبيه "آمون".. ثم ذهب لاستكمال حروبه ضد الفرس في الهند و"بابل" بالعراق وتوفي هناك، فاجتمع علي الفور قادة الجيش لإقرار مكان دفنه، واستقروا أخيرا علي دفنه في "مقدونيا" حيث مسقط رأسه، لكن "بطليموس" حاكم مصر آنذاك اعترض قائلا : لقد أوصي الإسكندر الأكبر بأن يدفن في "سيوة" بجوار أبيه "آمون".. ومن الواجب تنفيذ وصيته".. ثم أخذ الجثمان ودفنه في مصر، وقيل إنه دفن في "منف" وقيل إنه دفن بالإسكندرية وقيل إنه دفن في سيوة، وقد أجري العديد من الدراسات حول مكان مقبرة الإسكندر الأكبر ولم يعثر لها علي دليل دامغ يؤكد مكان وجودها.. لكن حصلت بعثة يونانية علي موافقة عام 1989 للبحث عن مقبرة الإسكندر الأكبر غرب سيوة وتحديدا في المعبد الدوري، وقد وجدت في هذا المكان مبني به زخارف فريدة من نوعها، ولما كان هدف البعثه الأكبر هو إيجاد مقبرة الإسكندر كان أي نقوش يتم الكشف عنها تصورها علي أنها خطوة جديدة نحو مقبرة الإسكندر، وقد أعلنت ذلك بالفعل عام 1996 وهي لم تكن كذلك، وقد كنت أنا ومصريا آخر ضمن أعضاء البعثة اليونانية التي قامت بالتنقيب، لكن كلام أعضاء البعثة كان أكثر مصداقية ورواجا في وسائل الإعلام، وقد تواكب هذا الإعلان مع الأحداث الإرهابية التي ضربت مصر آنذاك، فما كان من الدكتور عبد الحليم نور الدين- رئيس هيئة الآثار- آنذاك، إلا أنه أعلن أن هذا المكان مقبرة الإسكندر الأكبر لتوجيه نظر العالم عن الأحداث الإرهابية، وبالفعل جاءت الصحافة العالمية وكبري وسائل الإعلام إلي مصر.. لكن بعدها بفترة قصيرة تم عقد أكثر من مؤتمر في اليونان ومصر بحضور العديد من الباحثين الكبار الذين نفوا هذا الأمر تماما، قالوا إن الأدلة غير كافية وليس هناك ما يؤكد صحة هذا الادعاء.. وقد مر عام علي عمل البعثة في سيوة ثم منعت من مواصلة عملها بسبب المخالفات التي شابت عملها.. وتبقي حقيقة الأمر أن النقوش ليست للإسكندر الأكبر.
> كيف انتهيت إلي أن هذه النقوش ليست للإسكندر الأكبر؟
ــ من خلال الدراسات التي تمت علي الاكتشافات والنقوش التي خرجت من هذا التنقيب، حيث تم البحث في حقيقة العناصر المعمارية والنقوش، التي اتضح أنها عمارة رومانية وليست يونانية.
> كثيرا ما يتردد بين أبناء سيوة قصص حول سرقة الأثار، مستندة في ذلك إلي حركة السياحة التي باتت ملحوظة في الفترة الأخيرة، فما مدي صحة هذا؟
ــ هذا الأمر مرجعه إلي أن شباب هذا العصر لا يحب العمل أو الإنتاج إلا نادرا، فالكل يتمني أن يجد طريقه إلي الثراء السريع أو أن يؤمن حياته بصفقة.. في الغالب تكون غير مشروعة، وأقرب تلك الطرق في مدينة سيوة هي الآثار التي يجدونها أمامهم ليل نهار، ولذلك تخرج مثل هذه الشائعات، وخاصة بعد واقعة الكشف عن مقبرة الإسكندر الأكبر التي كانت مفاجأة للجميع، ومع ذلك فقد وصلنا إلي مرحلة شبه التأمين النهائي لجميع مواقع الآثار في جميع أنحاء سيوة.
------------------------
أحمد عبد الرحمن.. ابن قبيلة «الحدادين» يحكي حكاية القبائل والأعراق:
أمازيغ مصر .. فرع انقطع عن الشجرة الأم
الاتصال بين أمازيغ مصر وأقاربهم في العالم قائم علي العلاقات الشخصية وليس اتصال قبائل
معمر القذافي ليس عربيا ولكنه أمازيغي
و هناك تواصل بين أمازيع مصر وأمازيع ليبيا ولكن في إطار شخصي ونسبة كبيرة ممن نتصور أنهم من البربر أصلهم عربي اساساً..
هذا ما كشفه لنا احمد عبد الرحمن- عضو مجلس إدارة جمعية سيوة لتنمية المجتمع- احد شباب قبيلة الحدادين وأحد المطلعين والمهتمين بتاريخ الحضارة الأمازيغية..التقيته مساء آخر أيام رحلتي إلي مدينة الأمازيغ.
> كيف يمكن أن تصف وضع الأمازيغ في الدولة المصرية؟
ــ نحن "عرق" انقطع عن الشجرة الام .."نعم" يحدث تلاق بين بعض الأفراد كما حدث مؤخرا والتقيت ببعض الأمازيغ الذين يعيشون في فرنسا وشعرت تجاههم بحنين شديد لأنهم علي الاقل كانوا يتحدثون اللغة الأمازيغية التي تشعرنا بأمازيغيتنا، لكن مثل هذا الود لا يدوم كثيراً، لأنه قائم علي التواصل الوقتي وليس هناك جسور لاستمرار هذا التواصل
> لماذا لم يعد هناك تواصل بين الامازيغ في مصر وباقي الامازيغ في الدول الاخري؟ ــ كان هناك ود وتواصل حتي فترة قصيرة، لكنه أخذ يضعف شيئاً فشيئاً حتي بات شبه منقطع وكانت "ليبيا" هي آخر الدول التي كنا علي تواصل معها بمقتضي القرب المكاني بيننا، أما دول أخري مثل المغرب والجزائر فإن الود بيننا انقطع منذ زمن.
> لكنني سمعت أكثر من مرة من أبناء المدينة أن هناك زيارات مستمرة من شخصيات مغربية وجزائرية للمدينة؟
ــ يحدث نادرا أن يأتي أحد، يسأل عن أقاربه أو ابناء قبيلته، وهذا اتصال ضعيف لأنه اتصال أشخاص وليس اتصال قبائل كما كان في الماضي.. فأنا مثلا أنتمي إلي قبيلة الحدادين، وهي في الاساس قبيلة ليبية، موجودة في منطقة "ترهونة" ونحن نعتبر فرعاً لها، لكن الود بيننا ضعيف ويكاد يكون مقتصراً علي لقاء الأفراد.. لقد حدث مع مرور الزمن نوع من التجانس بين القبائل الامازيغية والعربية، فباتت بعض القبائل الامازيغية "مستعربة".. والعكس.. فهناك بعض القائل العربية "المتبربرة" ولذك تجد قبيلة مثل الحدادين تضم قرابة 60% منها من العرب و40% منها من الأمازيغ، وتبقي حقيقة الأمر ان هذه القبيلة أمازيغية وكل من انتمي اليها من العرب اكتسب العادات الأمازيغية، ولذا تجد العقيد معمر القذافي دائما ما يعترف بأمازيغية المنطقة لأنه أصلاً أمازيغي .
> متي دخل الأمازيغ إلي مصر علي وجه التحديد؟
ــ لقد مر علي سيوة العديد من الحضارات.. الفرعونية واليونانية والرومانية.. ثم كان دخول الأمازيغ إلي مصر ثم دخول الإسلام، ويبقي الوضع حاليا في أن الامازيغ أقلية بالنسبة للعرب في سيوة، لكن الامازيغ لهم الكلمة والسيطرة الكبري علي مجريات الاحداث، بدليل أن القبائل العربية التي انضمت إلينا مؤخرا باتت تتحدث اللغة الامازيغية التي نتحدثها، ساعدهم في ذلك إصرار الأمازيغ علي التمسك بعاداتهم وتقاليدهم ولغتهم، مما أرغم كل من انضم إلينا علي اكتساب نفس العادات والتقاليد واللغة.. وتعد قبيلة "الزناين" هي أقدم القبائل الأمازيغية علي الاطلاق، وتضم بيتي عائلة "بغي" وعائلة "جبة" وهما من أصل أمازيغي، أما قبيلة الحدادين فنسبة 60% من البيوت بها من القبائل العربية، ونسبة لا تتجاوز 30% منها من القبائل الأمازيغية، وهذا هو الوضع بالنسبة لباقي القبائل في سيوة، لكن يبقي أساس كل هذه القبائل من الأمازيغ .
> متي انفصلت سيوة عن دولة "تامزغا" الكبري؟
ــ دولة "تامزغا" الكبري كانت تضم العديد من الدول الآن ومنها المغرب والجزائر وتونس والاردن وليبيا وموريتانيا، وكان ذلك أول وعاء يحوي تلك الدول في شكلها الحالي، الذي أخذ يتحور متأثراً بالظروف والمتغيرات الدولية حتي أصبحت علي ما هي عليه الان، لكن عملية الفصل الفعلي لسيوة عن دولة "تامزغا" بدأت مع الفتوحات الاسلامية، حين تم تقسيم دول الشمال إلي المغرب الأدني وهيا دولة المغرب.. والمغرب الاوسط وهما دولتيا تونس والجزائر.. ثم منطقة "برقة" التي تضم ليبيا وسيوة، أما قبل ذلك فكانت جميعها مناطق أمازيغية وإلي هذا الوقت فإن الرئيس الليبي معمر القذافي يردد هذه الحقيقة التاريخية، فقد قال في أكثر من خطاب له "علينا أن نعترف بأمازيغية المنطقة التي تضم أكثر من 90% من سكان المنطقة ولهم حقوق في البلد أكثر منا نحن العرب".
> ما سر خروج عيد الحصاد وبقائه حتي الآن؟
ــ مرت سيوة بفترة حروب شديدة بين سكان المنطقة الشرقية والغربية،لأن أول من نزل بسيوة كان الأمازيغ، وقد سكنوا المنطقة الشرقية ثم جاء العرب وسكنوا المنطقة الغربية، ونشبت بينهم خلافات واسعة كانت تدفع القبائل للدخول في تحالفات ضد بعضهم البعض، مما جعل "محمد علي باشا" يرسل لهم جيوشا لتهدئة التوتر الدائر بينها، وكان ذلك في الفترة التي نزل فيها الأمازيغ من مدينتهم أعالي الجبل إلي الأرض المستوية المحيطة بها، إلا أن التوتر ظل قائما لأنه كان يختار حاكما علي المدينة من بينهم فكان المعسكر ـ الذي لم يأت منه الحاكم ـ يري في هذا ظلما له، فيعود التوتر من جديد، حتي اختار "محمد علي باشا" حاكما من كل معسكر ليحكم القبائل التي خرج منها.. وبالفعل أدي هذا إلي نوع من الاستقرار والهدوء بين سكان الشرق والغرب نوعا ما، لكنه كان يعود بين الحين والآخر.
> ومن أين جاءت فكرة العيد؟
ــ كان الوضع المتوتر دائما بين سكان الشرق والغرب مدعاة لكثير من الوساطات التي حاولت مرارا وتكرارا تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وبالفعل جاء إلي المدينة شيخ يدعي "محمد السيد السنوسي" وهو شيخ للطريقة السنوسية، وكان يسكن منطقة "جغبوب" علي حدود سيوة وهي تابعة الآن لليبيا، وكان أصله يعود إلي المدينة المنورة، ثم خرج منها إلي منطقة "مستخدمة" بالجزائر حيث أقام وتربي بين الامازيغ هناك قبل أن يأتي إلي "جغبوب" وهو الذي قاد عملية المصالحة بين الشرق والغرب، فقد اقترح خروج رجال سيوة الشرقية والغربية إلي منطقة الدكرور للإقامة معا لمدة 3 أيام، يأكلون ويشربون معا للتقريب بينهم، وأن يتم تزويج 10 فتيات من سيوة الشرقية لـ 10 شباب من سيوة الغربية.. والعكس.. إيمانا بأن صلة النسب هي القادرة علي محو أي عداء.. وهذا ما تحقق بالفعل، ولذا فقد باتت تلك الأيام الثلاثة عيدا سنويا للمدينة بمناسبة إنهاء الصراع بين قطبي المدينة.. ثم اكتسب هذا العيد فيما بعد اسم عيد الحصاد لأنه يأتي متواكبا مع موسم حصاد التمر والزيتون
تاريخ الأمازيغ في مصر 2758 عامــا من العزلة «4 » ه
ملف يحققه : يوسف عبد ربه
جلست ذات ليلة إلي مجموعة من الشباب السيوي.. نتناقش حول العديد من القضايا التي تشغلهم وتشغل الكثيرين من حولهم.. بدأنا بالخريطة السياسية.. والحياة الحزبية.. والانتخابات الرئاسية الماضية.. ثم تحدثنا حول الثقافة والعادات الأمازيغية واللغة التي باتت إلي زوال.. وعدنا للحديث حول قصة الانتماء للوطن والاتهامات الموجهة لهم ب"الخيانة" بين الحين والآخر بأبناء سيوة..وانتهي بنا الحال للحديث حول الحقوق المنتقصة لأبناء سيوة ...الشباب الذين جلست إليهم للوقوف علي حقيقة الوضع هم:محمود إبراهيم علي- أمين عام جمعية أبناء سيوة للسياحة-.. محمد مصطفي "محاسب".. خالد مسلم "محامي".. فتحي موسي- مرشد سياحي بقرية "تزيري".. وفيما يلي ما دار في المناقشة. شباب سيوة يتحدثون لـ«البديل» حول «الانتماء» و«الحقوق المنتقصة»
الدولة تتعامل معنا كملف أمني.. وآخرون يقولون لنا: «إنتوا بتوع القذافي»
>دعونا نبدأ حديثنا برؤيتكم للساحة السياسية..كيف يري أهل سيوة الحياه الحزبية في مصر؟
ــ محمود إبراهيم: الحزب الوحيد الذي نعرفه.. والذي يوجد له مقر في سيوة هو الحزب الوطني، ولا وجود لأي حزب آخر هنا.
> هل كل الشباب في سيوة منضمون للحزب الوطني؟
ــ لا يمكن القول: إن الشباب جميعا منضمين للحزب الوطني، لكن هناك العديد من الشباب الذين انضموا للحزب لأنه لا يوجد غيره.
>هل الشباب هنا علي دراية بشئون الأحزاب السياسية وبرامجها وسياسات عملها؟
ــ نحن نسمع عن الأحزاب الأخري لكننا علي علم بأن الحزب الوطني هو أقوي الأحزاب السياسية.
>ما الأحزاب السياسية التي تتردد علي مسامعك؟
ــ خالد مسلم: هناك حزب "الوفد" و"الغد" و"التجمع"... لكن جميع تلك الأحزاب ليس لها تأثير مثل الحزب الوطني.
>هل الإنضمام للحزب الوطني عن اقتناع أم اضطرار لعدم وجود غيره؟
ــ الانضمام للحزب الوطني ليس انتماء.. لكنها مسألة مجاملات.. فهناك بعض المصالح التي يمكن انهاؤها من خلال الحزب الوطني، لأن الوحدة الحزبية لابد أن يكتمل نصابها كي تنعقد، فيضطر أمين الحزب أن يجمع العضوية التي تحقق له هذا النصاب
>كيف جرت الانتخابات الرئاسية الماضية في سيوة؟
ــ نحن نعتبر أن صبيحة يوم الانتخابات الرئاسية كان يوم "ذبيحة" الإرادة السياسية.
>لماذا؟
ــ لأن ما حدث في الوجه البحري من تجاوزات وانتهاكات هو نفس ما حدث لدينا.
>كم عدد الأصوات الانتخابية في مدينة سيوة؟
ــ من 8-9 آلاف صوت تقريبا.
>وعدد السكان؟
ــ ما يتجاوز 25 ألف نسمة.
>هل كان الناس علي علم بعدد المرشحين وأهم الشخصيات المرشحة أمام الرئيس؟
ــ محمد مصطفي: كان هناك ناس مش فاهمة حاجة في أي حاجة.. لكن كان معاهم بطايق انتخابية.. فبيروحوا ينتخبوا أي واحد يقولولهم عليه.
>من هو أكثر الشخصيات التي كنتم تسمعون عنها في انتخابات الرئاسة؟
ــ أنا كنت أعرف "أيمن نور" و"نعمان جمعه".
>كيف استقبلت خبر ترشيح "أيمن نور" كمواطن عادي أمام الرئيس في انتخابات الرئاسة؟
ــ الديمقراطية تعطي الحق لأي مواطن أن يترشح لانتخابات الرئاسة ما دام قادرا علي أن يقدم لها.. للأسف لا يوجد انتماء لمصر الآن كما كان في السابق، لكن شخص أيمن نور كان بداية لأن تخرج الناس وتتحدث.
>هل كان من الممكن أن يمثل "أيمن نور" أمل التغيير؟
ــ بالطبع.. وأنا أعتقد أن فترة 6 سنوات كافية جدا لصناعة التغيير، وإذا لم يتحقق فبيدنا أن نغيره.
>تردد الحديث كثيرا حول توريث الحكم، وهو أمر قريب الشبه بالفكر القبائلي.. ما موقفك من توريث الحكم في مصر؟
ــ فتحي موسي: أنا لا أؤيد هذا لأنه سيعود بنا إلي النظام الملكي.
>دعنا نكون أكثر صراحة ووضوح.. كيف تري أمر توريث الحكم لجمال مبارك؟
ــ"جمال" أتيحت له الفرصة أن يعمل ويعرض نفسه بما فيه الكفاية، لكن أن تعطي فترة لا تتجاوز الشهر لأيمن نور أو نعمان جمعة، ليعرض نفسه علي الجماهير، فأعتقد أن هذا أمر غاية في الصعوبة.. إن الأمر يحتاج لمزيد من إتاحة الفرصة أمام المرشحين، بحيث تستطيع الجماهير أن تحكم وتأخذ قرارا بناء علي معلومات متوافرة وليست شعارات.. هذه الفتره لا تقل بأي شكل من الأشكال عن عام كامل.. أما أن نتحدث عن توريث للحكم في هذا الوقت، أعتقد أن هذا الأمر غاية في الصعوبة.
>لو أعيدت الانتخابات الرئاسية من جديد.. من المرشح الذي ستنتخبه؟
ــ أعتقد في هذه الحالة.."اللي تعرفه أحسن من اللي متعرفهوش".
ــ محمود إبراهيم: أنا مؤمن بأن التغيير في حد ذاته مهم جدا للإصلاح.. فعندما أتولي رئاسة جمعية وليست جمهورية، وأبقي في هذا المنصب لسنوات طويلة، فإن قدرتي علي العطاء ستقل بمرور الزمن وسوف ينتشر الفساد والسرقة، ولكن إذا كان هناك تغيير فإن الفرد القادم سوف يسعي لتقديم الجديد لكي يظهر بالمظهر الذي تنتظره الناس، خاصة إذا كانت فترة الرئاسة محددة .. أما بالنسبة للتوريث، فهو أمر مرفوض تماما، ولكن إذا ترشح جمال مبارك في الانتخابات القادمة، ووجد الناس أنه الشخص الأصلح بين المرشحين، فأعتقد أنه أمر عادي ما دام سيكون بإرادة الناس.
> لو أتيحت لك الفرصة لترشيح شخص معين لرئاسة الجمهورية.. من ستختار؟
ــ أنا أسمع عن عمرو موسي كل خير.. وأعتقد أنه لو رشح نفسه سيلقي قبولا واسعا.
ــخالد مسلم: أنا عن نفسي كنت ميالا لشخص أيمن نور في الانتخابات الرئاسية الماضية، علي أساس أنه شاب ..ومن قبل كان نموذجا يحتذي به في قاعة مجلس الشعب وله صولاته وجولاته، والكل يشهد بهذا.. لكن فجأة وبعد إعلانه الترشيح للانتخابات الرئاسية ..سمعنا أنه "عميل".. وأنا أعتقد أن أيمن نور لو انتهي فهناك ألف أيمن نور غيره لأنه يمثل فكرًا وتوجهًا.. "نعم" إن أيمن نور رجل ليبرالي وتحرري، ولكننا نطالب بالتغيير ولو من أجل التغيير.
>وكيف تقيمون الاتجاهات الليبرالية؟
ــ اللييرالية ليست سبة.. ولكن نحن لدينا عادات وتقاليد منذ مئات السنين، ونريد التمسك بها والبقاء عليها.. ونحن نري في الفكر الليبرالي تعارضا مع بعض تلك العادات والتقاليد.
>كيف تري موقف الدولة من أهل سيوة.. هل الدولة أعطتهم الاهتمام الكافي أم لا؟
ــ محمد مصطفي: لقد بدأ هذا الاهتمام منذ حوالي 5-6 سنوات، بإنشاء بعض المشروعات الخاصة وليست الحكومية، مثل مشروعات المياه المعدنية، والتي أعطت فرصة واسعة لشباب المدينة للعمل، وللأمانه لا يوجد بطالة في مدينة سيوة علي الإطلاق.
>هل هذا مرجعه اهتمام الدولة أم طبيعة المكان؟
ــ يعود بالدرجة الأساسية إلي طبيعة المكان وكثرة الموارد الطبيعية وقلة عدد السكان.
ــمحمود إبراهيم (مقاطعا): الدولة تتجه نحو دعم المستثمرين علي حساب أبناء سيوة، فهي تعطيهم حق تملك الأراضي وتسلبه منا وتجعلنا مجرد عمال فقط لدي المسثمرين .. ولكن إذا كان لأحد منا فكرة إنشاء مشروع صغير.. فهي تبدو كما لو كانت تقف ضدنا، من خلال العراقيل والشروط المجحفة.
>كثير من المواطنين يرون أن اهتمام الدولة بسيوة جاء عليها بالسلب، فهل تتفق مع هذا؟
ــ فتحي موسي: هذا صحيح.. بدليل أن متر الأرض تشتريه من الحكومة بأضعاف سعره المتداول بيننا، لدرجة يصعب معها لأي مستثمر من سيوة أن ينشئ أي مشروع حتي ولو كان صغيرا.. كما أنه غير مسموح لنا ببناء بيوت علي أرضنا، وإذا حدث ذلك فيكون البناء مخالفا ويحق له إزالته.. ولذلك فإن كل هذه البيوت التي تراها الآن مخالفة، عدا البيوت القديمة الموجودة في منطقة سوق المدينة.. ومع ذلك تعطي الدولة الحق للمستثمرين في تملك الأراضي.
>هل كان هناك تعمد لطمس الهوية السيوية؟
ــ خالد مسلم: هناك أشياء تصب في هذا الاتجاه.. وإن كان هذا الأمر يحدث بشكل غير مباشر وبالتدريج.. فنحن نتفق علي أن التكنولوجيا أثرت فينا، بداية من الكهرباء التي لم تكن موجودة لدينا في الماضي، ثم دخول التليفزيون والقنوات الفضائية و"الدش"، مما أثر سلبا علي هويتنا السيوية، بداية من اللغة التي باتت ممتزجة بالعديد من الألفاظ العربية والتي لم تكن موجودة في لغتنا.. لكننا لا يمكن أن نظلم الدولة ونقول إنها طمست الهوية السيوية.
>كيف يمكن الحفاظ علي الهوية واللغة السيوية؟
ــ هناك أمر أطالب به منذ 10 سنوات، وهو إنشاء مركز لتدوين اللغة السيوية، التي هي اللغة الأمازيغية في حقيقة أمرها، علي أن يكون هذا المركز بمثابة مدرسة لتعليم اللغة نطقا وكتابة، ومحاولة جادة لاستعادة الحروف الأصلية للغة الأمازيغية.
>هل أهل سيوة قادرون علي وضع أبجديات للغة السيوية؟
ــ فتحي موسي: لا توجد لدينا حروف للغة الأمازيغية، لكنها موجودة في المغرب والجزائر والعديد من دول الشمال الأفريقي، وقد تم الاتفاق حول 26 حرفًا للغة الأمازيغية، لأن هناك حروفًا عديدة لتلك اللغة وقد تم دمجها لتسهيل أمر تعلمها، ويمكننا أن نقتضي بهم أو ننقل عنهم في تعليم اللغة.. أنا أعمل في قرية سياحية تسمي "تزيري" وهي مملوكة لرجل أعمال مغربي..أمازيغي، ويسعي الأن للحفاظ علي الهوية الأمازيغية في سيوة، ولذلك فقد عاد بالطراز المعماري للقرية إلي الأسلوب البدائي لحياة الأمازيغ، ومن الممكن أن تكون مثل هذه المحاولات دعامة جيدة للحفاظ علي اللغة والحياة الأمازيغية القديمة.
>هل من الممكن أن تكون اللغة الأمازيغية هي اللغة الأولي في المناهج الدراسية بالنسبة لأهل سيوة إذا دخلت إلي المناهج الدراسية؟
ــ خالد مسلم: نحن لا نطالب بتدريس اللغة في المدارس، لكن يجب أن يكون أمر دراستها متاحًا لمن يريد تعلمها، حفاظا عليها وعلي الهوية السيوية، لأننا بهذا الشكل، بعد مرور 20- 30 سنة، لن يكون هناك وجود للهجة السيوية الأصلية
>البعض يري أن اللغة الأمازيغية غير متجددة، وبالتالي فإنها تحتوي بداخلها علي أسباب وفاتها..
ــ محمد مصطفي: حركة الوفود علي سيوة أثرت سلبا علي اللغة وجعلتنا ندخل عليها العديد من الألفاظ العربية، حتي وصل الأمر إلي تجاهل اللغة الأمازيغية في تعاملاتنا في العديد من الأحيان، ولذا فإن وضع اللغة يحتاج إلي أمرين.. أولهما: الحفاظ عليها من خلال إنشاء مركز لتدوينها وتدريسها.. ثانيا: بدء حركة ترجمة للمسميات المستحدثة باللغة الأمازيغية لمنع إدخال الألفاظ العربية عليها
>سمعت كثيرا اسم دولة المغرب من السيويين، وأستشعر أنها تمثل أهمية خاصة لديكم.. فما السر في ذلك؟
ــ نحن نعتبر أنفسنا امتدادًا لهؤلاء الناس، لأننا لم نوجد هكذا.. دون أصل أو جذور.. لكن أصلنا يمتد إلي المغرب، إلا أن الصلة بيننا انقطعت نتيجة حسابات سياسية.. لكن عن ثقة لو ذهبنا إلي المغرب فمن المؤكد أننا سوف نجد أجدادنا أو أحدا من سلسالنا هناك.
>ما البعد التاريخي لانفصال أمازيغ مصر عن أمازيغ المغرب والجزائر؟
ــ فتحي موسي: كان للحربين العالميتين بالغ الأثر في حركة الانفصال التي حدثت بيننا، وكانوا يتخيلون أن أمازيغ مصر انتهوا في فترة الحروب التي شهدها النصف الأول من القرن العشرين، خاصة مع حروب الإبادة التي كان يقوم بها الإيطاليون في ليبيا، القريبة جدا من سيوة، بالإضافة إلي أن قلة عدد الأمازيغ في مصر في تلك الفترة كان يصب في هذا الاعتقاد، ولما كانوا يسألون عنا، لم تتوافر لديهم معلومات تؤكد وجودنا.. لكن في الفترة الأخيرة، ومع زيادة عدد السكان في سيوة، وسهولة الاتصال.. عرفوا بوجودنا.. فبدأوا يعودون للاتصال بنا من جديد
خالد مسلم مقاطعا: اللغة الأمازيغية باللهجة السيوية هي اللغة الوحيدة في مصر التي لا يعرفها إلا السيويون، ولذلك فقد استخدمت في حرب أكتوبر كشفرة أو وسيلة اتصال بين القيادات، ولم يستطع أحد من العدو كشفها..فإسرائيل كانت تعرف اللغة النوبية..واللغة البدوية.. لكنهم لا يعرفون اللغة السيوية، ولقد حارب السيويون بأرواحهم وفدوا هذا الوطن بدمائهم.. حبا في مصر
> ما السبب الرئيس الذي أغري الرئيس القذافي للإعلان عن رغبته في ضم سيوة إلي ليبيا في السبعينيات؟
ــ كان ذلك بسبب التقارب الشديد بين أبناء سيوة والليبيين في فترة أهملت فيها الحكومة المصرية سيوة في الخدمات والرعاية، ولم يكن أحد يعلم عنها شيئاً، وفي المقابل كان هناك اهتمام متزايد من ليبيا، يدعمه القرب المكاني ووحدة اللغة.. وقد خطط عدد من المواطنين من مرسي مطروح وسيوة- أطلق عليهم "المنظمة"- القيام بعمليات إرهابية، وكان من بينها تفجير أحد القطارات، لكن العملية أحبطت، والذين أبلغوا عنهم كانوا سيويين
ــ محمود إبراهيم مقاطعا: "نعم"..لقد أبلغ السيويون عن أفراد هذا التنظيم.. فالمواطن السيوي لديه انتماء لمصر أكثر من أي مكان آخر.. ولذلك فإن نفسي تضيق بي عندما يقول أي إنسان لي.. "القذافي بتاعكوا".. لأنني عندما أذهب إلي ليبيا، لا أتحمل أي كلمة علي مصر، فكيف يقول المصري لي هذا.. أما موضوع الخيانة ..فهذا أمر وارد في أي مكان، وقد حدثت من مواطنين من القاهرة والإسكندرية وغيرهما من المحافظات.. فالخيانة من الممكن أن تخرج من أي مكان، ولكن لا يمكن أن يتهم بلد بأكمله بالخيانة.. ولذا فأنا أقول: إننا ليس لدينا طموح في الاتصال والتواصل مع المغرب، لكنّ لنا طموحًا في الاتصال والتواصل مع مصر بشكل أكثر مما هو قائم، وعلي سبيل المثال فإننا نتمني أن تكون لدينا جامعة مصرية في سيوة
محمد مصطفي مقاطعا: موضوع الخيانة والولاء سبب لنا مشكلات عديدة.. ومنها أننا ممنوعون من كلية الشرطة وهذا النمط من الكليات، لأسباب معلنة دائما وهي الدواعي الأمنية
ــ خالد مسلم مقاطعا: أنا رشحت لمنصب متميز في إحدي الجهات السيادية السابقة، وكنت فخورا بهذا.. لكن للأسف، تم استبعادي لدواع أمنية، رغم أنني لا أقل وطنية عن أي مواطن في مصر
>هل هذا يعني أن الحكومة المصرية تتعامل مع أهل سيوة علي أنهم ملف أمني؟
ــ هي تتعامل مع الصحراء الغربية كلها بهذا الشكل، وهذا يشعرنا بالعجز أو أننا أهل لقومية أخري، ولذلك نحن نطالب بأن يتم التعامل معنا علي أننا مواطنون مصريون
>كانت هناك مطالب بأن يكون لأهل سيوة خصوصية في التعامل، نتيجة ظروفها السكانية والمكانية.. فما ملامح تلك الخصوصية؟
ــ محمود إبراهيم: ينقصنا كثير من الأشياء في عملية التعليم، فعندما كنا في الثانوية العامة ظللنا عامًا كاملاً دون مدرس إنجليزي، وفي العام التالي جاء مدرس لجميع المدارس، وبالتالي مهما كانت درجة ذكائك، سوف تحصل علي مجموع مثل الذي يصل إليه من حصل علي حقه في التعليم كاملا.. وفي النهاية، تدخل إلي التنسيق، متساويا مع طلبة الإسكندرية والقاهرة، علي الرغم أننا في فترات سابقة كنا بشكل مختلف.. كان هناك استثناء لطلبة سيوة في القبول لدي الجامعات، حيث كان يتم قبولهم بدرجات أقل من الحد الذي وضع للقبول في الجامعات
>هل هذا يعني أن أهل سيوة في حاجة إلي وضع استثنائي لهم في القبول لدي الجامعات؟
ــ هذا الأمر ليس بدعة، لكنه كان مأخوذا به في عصر الرئيس السادات، وهناك 3 من الخريجين حصلوا علي بكالريوس الطب وفق هذا النظام، وهكذا الحال بالنسبة لكليات الهندسة والصيدلة، أو يتم قبول طالب في كل كلية من كليات القمة من الطلبة الأوائل من كل دفعة، دون النظر إلي المجموع الذي حصل عليه
خالد مسلم مقاطعا: نحن لا يوجد لدينا شهر عقاري في سيوة، وهذا يجعلنا نسافر أكثر من 300 كيلو إلي مرسي مطروح لتسجيل أي إجراء، وهذا أمر مرهق جدا لمدينة يقترب عدد سكانها من 30 ألف نسمة، وكذلك ضرورة إنشاء نيابة جزئية لنظر القضايا الخاصة بالمدينة
> هناك دعوة كان المهندس عدلي أبادير- زعيم أقباط المهجر- يعتزم إرسالها إلي بعض الشخصيات الأمازيغية في مصر، لطرح مشاكلهم في الخارج كأقلية.. ما موقفكم من هذا العرض؟
ــ محمد إبراهيم: أنا أفضل طرح قضايانا في الداخل عن طرحها في الخارج.
خالد مسلم: سوف أطرق الباب مرة..واتنين.. وتلاته..حتي أشعر أن الباب مغلق بالضبة والمفتاح.. وفي هذه الحالة سوف اضطر لطرح قضاياي في الخارج
محمد مصطفي مقاطعا: مساعدات الخارج التي تأتي من الدول الأوروبية لسيوة أكثر من مساعدات مصر لأهالي سيوة، وهي تأتي في صورة مشروعات تنموية بعيدة عن النواحي السياسية
الدولة تتعامل معنا كملف أمني.. وآخرون يقولون لنا: «إنتوا بتوع القذافي»
>دعونا نبدأ حديثنا برؤيتكم للساحة السياسية..كيف يري أهل سيوة الحياه الحزبية في مصر؟
ــ محمود إبراهيم: الحزب الوحيد الذي نعرفه.. والذي يوجد له مقر في سيوة هو الحزب الوطني، ولا وجود لأي حزب آخر هنا.
> هل كل الشباب في سيوة منضمون للحزب الوطني؟
ــ لا يمكن القول: إن الشباب جميعا منضمين للحزب الوطني، لكن هناك العديد من الشباب الذين انضموا للحزب لأنه لا يوجد غيره.
>هل الشباب هنا علي دراية بشئون الأحزاب السياسية وبرامجها وسياسات عملها؟
ــ نحن نسمع عن الأحزاب الأخري لكننا علي علم بأن الحزب الوطني هو أقوي الأحزاب السياسية.
>ما الأحزاب السياسية التي تتردد علي مسامعك؟
ــ خالد مسلم: هناك حزب "الوفد" و"الغد" و"التجمع"... لكن جميع تلك الأحزاب ليس لها تأثير مثل الحزب الوطني.
>هل الإنضمام للحزب الوطني عن اقتناع أم اضطرار لعدم وجود غيره؟
ــ الانضمام للحزب الوطني ليس انتماء.. لكنها مسألة مجاملات.. فهناك بعض المصالح التي يمكن انهاؤها من خلال الحزب الوطني، لأن الوحدة الحزبية لابد أن يكتمل نصابها كي تنعقد، فيضطر أمين الحزب أن يجمع العضوية التي تحقق له هذا النصاب
>كيف جرت الانتخابات الرئاسية الماضية في سيوة؟
ــ نحن نعتبر أن صبيحة يوم الانتخابات الرئاسية كان يوم "ذبيحة" الإرادة السياسية.
>لماذا؟
ــ لأن ما حدث في الوجه البحري من تجاوزات وانتهاكات هو نفس ما حدث لدينا.
>كم عدد الأصوات الانتخابية في مدينة سيوة؟
ــ من 8-9 آلاف صوت تقريبا.
>وعدد السكان؟
ــ ما يتجاوز 25 ألف نسمة.
>هل كان الناس علي علم بعدد المرشحين وأهم الشخصيات المرشحة أمام الرئيس؟
ــ محمد مصطفي: كان هناك ناس مش فاهمة حاجة في أي حاجة.. لكن كان معاهم بطايق انتخابية.. فبيروحوا ينتخبوا أي واحد يقولولهم عليه.
>من هو أكثر الشخصيات التي كنتم تسمعون عنها في انتخابات الرئاسة؟
ــ أنا كنت أعرف "أيمن نور" و"نعمان جمعه".
>كيف استقبلت خبر ترشيح "أيمن نور" كمواطن عادي أمام الرئيس في انتخابات الرئاسة؟
ــ الديمقراطية تعطي الحق لأي مواطن أن يترشح لانتخابات الرئاسة ما دام قادرا علي أن يقدم لها.. للأسف لا يوجد انتماء لمصر الآن كما كان في السابق، لكن شخص أيمن نور كان بداية لأن تخرج الناس وتتحدث.
>هل كان من الممكن أن يمثل "أيمن نور" أمل التغيير؟
ــ بالطبع.. وأنا أعتقد أن فترة 6 سنوات كافية جدا لصناعة التغيير، وإذا لم يتحقق فبيدنا أن نغيره.
>تردد الحديث كثيرا حول توريث الحكم، وهو أمر قريب الشبه بالفكر القبائلي.. ما موقفك من توريث الحكم في مصر؟
ــ فتحي موسي: أنا لا أؤيد هذا لأنه سيعود بنا إلي النظام الملكي.
>دعنا نكون أكثر صراحة ووضوح.. كيف تري أمر توريث الحكم لجمال مبارك؟
ــ"جمال" أتيحت له الفرصة أن يعمل ويعرض نفسه بما فيه الكفاية، لكن أن تعطي فترة لا تتجاوز الشهر لأيمن نور أو نعمان جمعة، ليعرض نفسه علي الجماهير، فأعتقد أن هذا أمر غاية في الصعوبة.. إن الأمر يحتاج لمزيد من إتاحة الفرصة أمام المرشحين، بحيث تستطيع الجماهير أن تحكم وتأخذ قرارا بناء علي معلومات متوافرة وليست شعارات.. هذه الفتره لا تقل بأي شكل من الأشكال عن عام كامل.. أما أن نتحدث عن توريث للحكم في هذا الوقت، أعتقد أن هذا الأمر غاية في الصعوبة.
>لو أعيدت الانتخابات الرئاسية من جديد.. من المرشح الذي ستنتخبه؟
ــ أعتقد في هذه الحالة.."اللي تعرفه أحسن من اللي متعرفهوش".
ــ محمود إبراهيم: أنا مؤمن بأن التغيير في حد ذاته مهم جدا للإصلاح.. فعندما أتولي رئاسة جمعية وليست جمهورية، وأبقي في هذا المنصب لسنوات طويلة، فإن قدرتي علي العطاء ستقل بمرور الزمن وسوف ينتشر الفساد والسرقة، ولكن إذا كان هناك تغيير فإن الفرد القادم سوف يسعي لتقديم الجديد لكي يظهر بالمظهر الذي تنتظره الناس، خاصة إذا كانت فترة الرئاسة محددة .. أما بالنسبة للتوريث، فهو أمر مرفوض تماما، ولكن إذا ترشح جمال مبارك في الانتخابات القادمة، ووجد الناس أنه الشخص الأصلح بين المرشحين، فأعتقد أنه أمر عادي ما دام سيكون بإرادة الناس.
> لو أتيحت لك الفرصة لترشيح شخص معين لرئاسة الجمهورية.. من ستختار؟
ــ أنا أسمع عن عمرو موسي كل خير.. وأعتقد أنه لو رشح نفسه سيلقي قبولا واسعا.
ــخالد مسلم: أنا عن نفسي كنت ميالا لشخص أيمن نور في الانتخابات الرئاسية الماضية، علي أساس أنه شاب ..ومن قبل كان نموذجا يحتذي به في قاعة مجلس الشعب وله صولاته وجولاته، والكل يشهد بهذا.. لكن فجأة وبعد إعلانه الترشيح للانتخابات الرئاسية ..سمعنا أنه "عميل".. وأنا أعتقد أن أيمن نور لو انتهي فهناك ألف أيمن نور غيره لأنه يمثل فكرًا وتوجهًا.. "نعم" إن أيمن نور رجل ليبرالي وتحرري، ولكننا نطالب بالتغيير ولو من أجل التغيير.
>وكيف تقيمون الاتجاهات الليبرالية؟
ــ اللييرالية ليست سبة.. ولكن نحن لدينا عادات وتقاليد منذ مئات السنين، ونريد التمسك بها والبقاء عليها.. ونحن نري في الفكر الليبرالي تعارضا مع بعض تلك العادات والتقاليد.
>كيف تري موقف الدولة من أهل سيوة.. هل الدولة أعطتهم الاهتمام الكافي أم لا؟
ــ محمد مصطفي: لقد بدأ هذا الاهتمام منذ حوالي 5-6 سنوات، بإنشاء بعض المشروعات الخاصة وليست الحكومية، مثل مشروعات المياه المعدنية، والتي أعطت فرصة واسعة لشباب المدينة للعمل، وللأمانه لا يوجد بطالة في مدينة سيوة علي الإطلاق.
>هل هذا مرجعه اهتمام الدولة أم طبيعة المكان؟
ــ يعود بالدرجة الأساسية إلي طبيعة المكان وكثرة الموارد الطبيعية وقلة عدد السكان.
ــمحمود إبراهيم (مقاطعا): الدولة تتجه نحو دعم المستثمرين علي حساب أبناء سيوة، فهي تعطيهم حق تملك الأراضي وتسلبه منا وتجعلنا مجرد عمال فقط لدي المسثمرين .. ولكن إذا كان لأحد منا فكرة إنشاء مشروع صغير.. فهي تبدو كما لو كانت تقف ضدنا، من خلال العراقيل والشروط المجحفة.
>كثير من المواطنين يرون أن اهتمام الدولة بسيوة جاء عليها بالسلب، فهل تتفق مع هذا؟
ــ فتحي موسي: هذا صحيح.. بدليل أن متر الأرض تشتريه من الحكومة بأضعاف سعره المتداول بيننا، لدرجة يصعب معها لأي مستثمر من سيوة أن ينشئ أي مشروع حتي ولو كان صغيرا.. كما أنه غير مسموح لنا ببناء بيوت علي أرضنا، وإذا حدث ذلك فيكون البناء مخالفا ويحق له إزالته.. ولذلك فإن كل هذه البيوت التي تراها الآن مخالفة، عدا البيوت القديمة الموجودة في منطقة سوق المدينة.. ومع ذلك تعطي الدولة الحق للمستثمرين في تملك الأراضي.
>هل كان هناك تعمد لطمس الهوية السيوية؟
ــ خالد مسلم: هناك أشياء تصب في هذا الاتجاه.. وإن كان هذا الأمر يحدث بشكل غير مباشر وبالتدريج.. فنحن نتفق علي أن التكنولوجيا أثرت فينا، بداية من الكهرباء التي لم تكن موجودة لدينا في الماضي، ثم دخول التليفزيون والقنوات الفضائية و"الدش"، مما أثر سلبا علي هويتنا السيوية، بداية من اللغة التي باتت ممتزجة بالعديد من الألفاظ العربية والتي لم تكن موجودة في لغتنا.. لكننا لا يمكن أن نظلم الدولة ونقول إنها طمست الهوية السيوية.
>كيف يمكن الحفاظ علي الهوية واللغة السيوية؟
ــ هناك أمر أطالب به منذ 10 سنوات، وهو إنشاء مركز لتدوين اللغة السيوية، التي هي اللغة الأمازيغية في حقيقة أمرها، علي أن يكون هذا المركز بمثابة مدرسة لتعليم اللغة نطقا وكتابة، ومحاولة جادة لاستعادة الحروف الأصلية للغة الأمازيغية.
>هل أهل سيوة قادرون علي وضع أبجديات للغة السيوية؟
ــ فتحي موسي: لا توجد لدينا حروف للغة الأمازيغية، لكنها موجودة في المغرب والجزائر والعديد من دول الشمال الأفريقي، وقد تم الاتفاق حول 26 حرفًا للغة الأمازيغية، لأن هناك حروفًا عديدة لتلك اللغة وقد تم دمجها لتسهيل أمر تعلمها، ويمكننا أن نقتضي بهم أو ننقل عنهم في تعليم اللغة.. أنا أعمل في قرية سياحية تسمي "تزيري" وهي مملوكة لرجل أعمال مغربي..أمازيغي، ويسعي الأن للحفاظ علي الهوية الأمازيغية في سيوة، ولذلك فقد عاد بالطراز المعماري للقرية إلي الأسلوب البدائي لحياة الأمازيغ، ومن الممكن أن تكون مثل هذه المحاولات دعامة جيدة للحفاظ علي اللغة والحياة الأمازيغية القديمة.
>هل من الممكن أن تكون اللغة الأمازيغية هي اللغة الأولي في المناهج الدراسية بالنسبة لأهل سيوة إذا دخلت إلي المناهج الدراسية؟
ــ خالد مسلم: نحن لا نطالب بتدريس اللغة في المدارس، لكن يجب أن يكون أمر دراستها متاحًا لمن يريد تعلمها، حفاظا عليها وعلي الهوية السيوية، لأننا بهذا الشكل، بعد مرور 20- 30 سنة، لن يكون هناك وجود للهجة السيوية الأصلية
>البعض يري أن اللغة الأمازيغية غير متجددة، وبالتالي فإنها تحتوي بداخلها علي أسباب وفاتها..
ــ محمد مصطفي: حركة الوفود علي سيوة أثرت سلبا علي اللغة وجعلتنا ندخل عليها العديد من الألفاظ العربية، حتي وصل الأمر إلي تجاهل اللغة الأمازيغية في تعاملاتنا في العديد من الأحيان، ولذا فإن وضع اللغة يحتاج إلي أمرين.. أولهما: الحفاظ عليها من خلال إنشاء مركز لتدوينها وتدريسها.. ثانيا: بدء حركة ترجمة للمسميات المستحدثة باللغة الأمازيغية لمنع إدخال الألفاظ العربية عليها
>سمعت كثيرا اسم دولة المغرب من السيويين، وأستشعر أنها تمثل أهمية خاصة لديكم.. فما السر في ذلك؟
ــ نحن نعتبر أنفسنا امتدادًا لهؤلاء الناس، لأننا لم نوجد هكذا.. دون أصل أو جذور.. لكن أصلنا يمتد إلي المغرب، إلا أن الصلة بيننا انقطعت نتيجة حسابات سياسية.. لكن عن ثقة لو ذهبنا إلي المغرب فمن المؤكد أننا سوف نجد أجدادنا أو أحدا من سلسالنا هناك.
>ما البعد التاريخي لانفصال أمازيغ مصر عن أمازيغ المغرب والجزائر؟
ــ فتحي موسي: كان للحربين العالميتين بالغ الأثر في حركة الانفصال التي حدثت بيننا، وكانوا يتخيلون أن أمازيغ مصر انتهوا في فترة الحروب التي شهدها النصف الأول من القرن العشرين، خاصة مع حروب الإبادة التي كان يقوم بها الإيطاليون في ليبيا، القريبة جدا من سيوة، بالإضافة إلي أن قلة عدد الأمازيغ في مصر في تلك الفترة كان يصب في هذا الاعتقاد، ولما كانوا يسألون عنا، لم تتوافر لديهم معلومات تؤكد وجودنا.. لكن في الفترة الأخيرة، ومع زيادة عدد السكان في سيوة، وسهولة الاتصال.. عرفوا بوجودنا.. فبدأوا يعودون للاتصال بنا من جديد
خالد مسلم مقاطعا: اللغة الأمازيغية باللهجة السيوية هي اللغة الوحيدة في مصر التي لا يعرفها إلا السيويون، ولذلك فقد استخدمت في حرب أكتوبر كشفرة أو وسيلة اتصال بين القيادات، ولم يستطع أحد من العدو كشفها..فإسرائيل كانت تعرف اللغة النوبية..واللغة البدوية.. لكنهم لا يعرفون اللغة السيوية، ولقد حارب السيويون بأرواحهم وفدوا هذا الوطن بدمائهم.. حبا في مصر
> ما السبب الرئيس الذي أغري الرئيس القذافي للإعلان عن رغبته في ضم سيوة إلي ليبيا في السبعينيات؟
ــ كان ذلك بسبب التقارب الشديد بين أبناء سيوة والليبيين في فترة أهملت فيها الحكومة المصرية سيوة في الخدمات والرعاية، ولم يكن أحد يعلم عنها شيئاً، وفي المقابل كان هناك اهتمام متزايد من ليبيا، يدعمه القرب المكاني ووحدة اللغة.. وقد خطط عدد من المواطنين من مرسي مطروح وسيوة- أطلق عليهم "المنظمة"- القيام بعمليات إرهابية، وكان من بينها تفجير أحد القطارات، لكن العملية أحبطت، والذين أبلغوا عنهم كانوا سيويين
ــ محمود إبراهيم مقاطعا: "نعم"..لقد أبلغ السيويون عن أفراد هذا التنظيم.. فالمواطن السيوي لديه انتماء لمصر أكثر من أي مكان آخر.. ولذلك فإن نفسي تضيق بي عندما يقول أي إنسان لي.. "القذافي بتاعكوا".. لأنني عندما أذهب إلي ليبيا، لا أتحمل أي كلمة علي مصر، فكيف يقول المصري لي هذا.. أما موضوع الخيانة ..فهذا أمر وارد في أي مكان، وقد حدثت من مواطنين من القاهرة والإسكندرية وغيرهما من المحافظات.. فالخيانة من الممكن أن تخرج من أي مكان، ولكن لا يمكن أن يتهم بلد بأكمله بالخيانة.. ولذا فأنا أقول: إننا ليس لدينا طموح في الاتصال والتواصل مع المغرب، لكنّ لنا طموحًا في الاتصال والتواصل مع مصر بشكل أكثر مما هو قائم، وعلي سبيل المثال فإننا نتمني أن تكون لدينا جامعة مصرية في سيوة
محمد مصطفي مقاطعا: موضوع الخيانة والولاء سبب لنا مشكلات عديدة.. ومنها أننا ممنوعون من كلية الشرطة وهذا النمط من الكليات، لأسباب معلنة دائما وهي الدواعي الأمنية
ــ خالد مسلم مقاطعا: أنا رشحت لمنصب متميز في إحدي الجهات السيادية السابقة، وكنت فخورا بهذا.. لكن للأسف، تم استبعادي لدواع أمنية، رغم أنني لا أقل وطنية عن أي مواطن في مصر
>هل هذا يعني أن الحكومة المصرية تتعامل مع أهل سيوة علي أنهم ملف أمني؟
ــ هي تتعامل مع الصحراء الغربية كلها بهذا الشكل، وهذا يشعرنا بالعجز أو أننا أهل لقومية أخري، ولذلك نحن نطالب بأن يتم التعامل معنا علي أننا مواطنون مصريون
>كانت هناك مطالب بأن يكون لأهل سيوة خصوصية في التعامل، نتيجة ظروفها السكانية والمكانية.. فما ملامح تلك الخصوصية؟
ــ محمود إبراهيم: ينقصنا كثير من الأشياء في عملية التعليم، فعندما كنا في الثانوية العامة ظللنا عامًا كاملاً دون مدرس إنجليزي، وفي العام التالي جاء مدرس لجميع المدارس، وبالتالي مهما كانت درجة ذكائك، سوف تحصل علي مجموع مثل الذي يصل إليه من حصل علي حقه في التعليم كاملا.. وفي النهاية، تدخل إلي التنسيق، متساويا مع طلبة الإسكندرية والقاهرة، علي الرغم أننا في فترات سابقة كنا بشكل مختلف.. كان هناك استثناء لطلبة سيوة في القبول لدي الجامعات، حيث كان يتم قبولهم بدرجات أقل من الحد الذي وضع للقبول في الجامعات
>هل هذا يعني أن أهل سيوة في حاجة إلي وضع استثنائي لهم في القبول لدي الجامعات؟
ــ هذا الأمر ليس بدعة، لكنه كان مأخوذا به في عصر الرئيس السادات، وهناك 3 من الخريجين حصلوا علي بكالريوس الطب وفق هذا النظام، وهكذا الحال بالنسبة لكليات الهندسة والصيدلة، أو يتم قبول طالب في كل كلية من كليات القمة من الطلبة الأوائل من كل دفعة، دون النظر إلي المجموع الذي حصل عليه
خالد مسلم مقاطعا: نحن لا يوجد لدينا شهر عقاري في سيوة، وهذا يجعلنا نسافر أكثر من 300 كيلو إلي مرسي مطروح لتسجيل أي إجراء، وهذا أمر مرهق جدا لمدينة يقترب عدد سكانها من 30 ألف نسمة، وكذلك ضرورة إنشاء نيابة جزئية لنظر القضايا الخاصة بالمدينة
> هناك دعوة كان المهندس عدلي أبادير- زعيم أقباط المهجر- يعتزم إرسالها إلي بعض الشخصيات الأمازيغية في مصر، لطرح مشاكلهم في الخارج كأقلية.. ما موقفكم من هذا العرض؟
ــ محمد إبراهيم: أنا أفضل طرح قضايانا في الداخل عن طرحها في الخارج.
خالد مسلم: سوف أطرق الباب مرة..واتنين.. وتلاته..حتي أشعر أن الباب مغلق بالضبة والمفتاح.. وفي هذه الحالة سوف اضطر لطرح قضاياي في الخارج
محمد مصطفي مقاطعا: مساعدات الخارج التي تأتي من الدول الأوروبية لسيوة أكثر من مساعدات مصر لأهالي سيوة، وهي تأتي في صورة مشروعات تنموية بعيدة عن النواحي السياسية
تاريخ الأمازيغ في مصر 2758 عامــا من العزلة «5 » ه
ملف يحققه : يوسف عبد ربه
في الحلقة الخامسة من ملف الأمازيغ في مصر نحاول أن نقدم الوجه الآخر للقضية من خلال حوار مع د. مصطفي النشرتي، المتخصص في القضايا الحدودية، وتحدث فيه عن تاريخ الأمازيغ ويرد فيه علي ما اعتبره مغالطات تاريخية حول اعتبار مصر الموطن الأصلي للأمازيغ، مؤكدا أن الموطن الأصلي للأمازيغ هو شمال أفريقيا، وتحديداً من مدينة القيروان في تونس حتي ساحل المحيط الأطلسي. تناقش الحلقة الخامسة أيضا مجموعة من المستندات والوثائق حول واحة "جغبوب"، وترصد الصراعات العسكرية التي حركتها قوات الاحتلال للسيطرة علي مناطق الواحات ثم الأزمات السياسية التي وقعت بين مصر وليبيا خلال فترات زمنية مختلفة لإثبات حق مصر في أراضي الواحات الواقعة داخل الأراضي الليبية أو مطالبات ليبية باسترداد واحات تعتبرها مصر جزءا لا يتجزأ من أراضيها، وتظل رؤية د. النشرتي مهمة لاستكمال الرؤية حول القضية ولكنها في الوقت نفسه تحتاج للتوقف أمامها وأمام ما ورد بها من آراء ومعلومات. ملف يحققه : يوسف عبد ربه
خبير في القضايا الحدودية المصرية يفك شفرة علاقة الأمازيغ بليبيا
مصطفي النشرتي: حلم ضم سيوة مازال يداعب خيال الليبيين.. و«جغبوب» مصرية بشهادة دول الاحتلال
مصر أعدت دراسات منذ عام 1940 حتي 1947 تثبت حقها في واحة «جغبوب» وهضبة السلوم وميناء البرية
الدكتور مصطفي النشرتي، أستاذ الاقتصاد بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، واحد من أكثر الأشخاص اهتماما بمشكلات مصر الحدودية وله في ذلك مؤلفات عديدة، ومنها كتاب "انقاذ مصر" الذي يتناول بالأوراق والوثائق حق مصر الأصيل في واحة "جغبوب" وهضبة السلوم وغيرهما من الأراضي المصرية التي انتزعتها إيطاليا لصالح ليبيا، في ظل حسابات سياسية بين قوات الاحتلال.. أكد النشرتي أن الصراع بين العرق الأمازيغي في سيوة والقبائل العربية يعود إلي ممارسات قوات الاحتلال التركي والإيطالي في تلك الفترة وليس إلي دخول الإسلام إلي مصر.. وفي نص الحوار العديد من التفاصيل..
> دعنا من البعد التاريخي لأزمة الواحات المصرية مع "ليبيا".. ما موقف الحكومات المصرية المتتالية بعد الثورة من تلك القضية؟
- الموقف كان دبلوماسيا ليس أكثر.. فقد عكفت الحكومة منذ عام 1940 حتي عام 1947 علي إعداد أبحاث تفصيلية وتجميع الوثائق التي تثبت حقوق مصر التاريخية في تلك المناطق، وتم التقديم بها رسميا إلي مؤتمر الصلح في "باريس" عام 1946 ومؤتمر وزراء خارجية الدول العظمي في "لندن".
> ماذا تضمت المذكرات التي تقدمت بها مصري من دلائل الاثبات لأحقيتها في الواحات؟
- تضمنت المذكرات بندين أساسيين.. أن مصر تطالب باستقلال "ليبيا" ووحدتها، وكانت الدول العظمي ضد تلك الرغبة، وكانوا يستهدفون تقسيمها إلي 3 مناطق، علي أن تكون كل منطقة خاضعة لدولة عظمي.. أما البند الثاني، فكان طلب مصر تعديل حدود مصر الغربية، التأكيد علي رغبتها في استرداد مناطق معينة، وهي منطقة "هضبة السلوم" بما تشمله من ميناء "بردية"، لأن تلك الهضبة لها أهمية عسكرية كبري، فمن يسيطر عليها يمكنه تهديد حدود مصر الشمالية.. أما المنطقة الثانية فكانت واحة "جغبوب" التي تمثل عنق الزجاجة والمدخل الطبيعي من الجهة الغربية لجميع واحات مصر الغربية وقد سبق لإدريس السنوسي أن هاجم القوات المصرية واستطاع احتلال جميع الواحات.
> كيف قبلت الحكومة المصرية بحكم "السنوسي" علي واحة "جغبوب" وقد كانت تحت السيادة المصرية وقتها؟
- بدأت قصة حكم "السنوسي" لواحة "جغبوب" من الصراع الذي كان دائرا بين تركيا ومصر بعد احتلال بريطانيا مصر، وقد حدث أن احتلت تركيا "أم الرشراش" عام 1906، كما احتلت "سيناء" مرتين، عام 1915 و1916 واستمرت المعارك في سيناء لمدة عامين، لإجبار القوات التركية علي الانسحاب من الاراضي المصرية.. في ذلك الوقت أرسل الاتراك والالمان إلي "إدريس السنوسي" وأغروه بالدخول في حرب مع مصر، مستغلا انشغال مصر في حربها مع الأتراك في سيناء وضعف خطوطها الغربية لاحتلال الواحات والزحف منها إلي القاهرة.. وقد صدق "السنوسي" الإغراءات التركية والألمانية، وقام بغزو صحراء مصر الغربية واستطاع الوصول إلي مشارف النيل، وظل هذا الاحتلال لمدة 15 سنة، إلي أن تم إنشاء سلاح الهجانة المصري الذي استطاع تحرير الواحات المصرية، وتم عقد اتفاقية مع "السنوسي" تقضي بالاكتفاء بالزعامة الدينية، وأن يكون حاكما لواحة "جغبوب" تحت السيادة المصرية، وكان هناك شرط في تلك الاتفاقية بألا يزيد أتباعه المسلحون في الواحة علي 50 فردا، يستخدمون لحفظ الأمن الداخلي فقط داخل الواحة.
> هل نستطيع أن نعتبر أن تلك الحوادث ضمن أسباب الحساسيات الدائمة بين الأمازيغ والعرب؟
- نعم.. فقد كان للبعد التاريخي دور مهم في إحياء الصراع العرقي بين العرب والأمازيغيين، وقد استغلت تركيا هذا الصراع للحد من السيطرة البريطانية علي مصر وإثارة المشكلات مع الحكومة المصرية.. فقد دخلت تركيا في الحرب وكان موقفها الثابت من الغارات بين القبائل العربية والأمازيغية أن هذا صراع علي الحدود بين مصر والدولة العثمانية، ورغم أن "السنوسي" كان حاكما لإقليم مصري آنذاك، إلا أن الدولة العثمانية عندما اعترفت باستقلال "ليبيا" عينته ملكا علي ليبيا، وذلك لإثارة النزاعات القبلية والعرقية علي الحدود الغربية.
> ما يوثق له الأمازيغ، أن البعد التاريخي للعداء مع العرب يعود إلي دخول الإسلام مصر.. فما حقيقة هذا الأمر؟
- لا أعتقد هذا.. لأن الأمازيغيين بالكامل دخلوا إلي الإسلام، فلماذا الصراع في فترة دخول الإسلام؟
> بعضهم يعتقد أن الإسلام دخل إليهم بالقوة؟
- لم يدخل إليهم الإسلام بحد السيف، فالقبائل العربية دخلت واحتلت شمال إفريقيا، وأقامت مع الأمازيغ.. وكانت القبائل العربية "أقلية" بين القبائل الأمازيغية ونسبتها لا تتعدي نسبة 1% من السكان، إلا أنه مع مرور الوقت دخل الأمازيغ في الإسلام وانتشرت اللغة العربية، وقد وصل الأمر إلي انضمام العديد من الأمازيغيين إلي جيوش "عقبة بن نافع".. كما أن الدولة الفاطمية بدأت في "القيروان" واستعانت بالأمازيغ في تكوين الجيوش، وكانوا الأغلبية في ذلك الوقت بين سكان المنطقة، وعندما دخل الفاطميون إلي مصر جاء معهم الأمازيغ، فيما أطلق عليه موجة الاستيطان الثانية، لأنه سبق أن دخل الأمازيغ إلي مصر في عهد رمسيس الثاني وحكموا البلاد في فترة لاحقة من حكمه.. خلاصة كل هذا أن القبائل العربية التي دخلت إلي مصر والمنطقة لم يكن ذلك مع دخول الإسلام، بل أنه كان سابقاً لدخول الإسلام مصر، وأن العرب تعايشوا مع الأمازيغ لفترة طويلة جدا قبل دخول الإسلام، وأن العداء الحقيقي بين العرب والأمازيغ حديث العهد ويعود لما حدث في فترة الاحتلال الايطالي لـ"ليبيا" والاحتلال الإنجليزي لـ"مصر".
> وأين موقع الأمازيغ من مصر إذا؟
- هناك مغالطة تاريخية.. وهي أن مصر موطن للأمازيغ.. وهذا "غير صحيح".. فالموطن الأصلي للأمازيغ شمال إفريقيا.. "القيروان" في تونس حتي الساحل الأطلسي، لكن حدث تاريخيا هجرات لقبائل أمازيغية وليبية إلي مصر واستوطنت فيها، والسبب الأساسي في هذه الهجرات كان المطر والمرعي قبل ان يكون الحرب، ولذلك استوطن وبقي الأمازيغ في سيوة دون غيرها.
> لكن الموثق تاريخيا أن الأمازيغ توسعوا في استيطانهم حتي بلغوا معظم أراضي مصر تقريبا؟
- هذا صحيح.. لأنهم عندما جاءوا في بداية الأمر كانوا "قلة".. وذهبوا في بداية دخولهم إلي مصر إلي مناطق المطر والمراعي، لكنهم استطاعوا التوغل في الجيش المصري في عصر الفراعنة حتي وصلوا إلي الحكم، وفي تلك الفترة حدث توسع وانتشار لهم في جميع أنحاء مصر تقريبا.. ساعدهم علي بقائهم وانتشارهم دخول الدولة الفاطمية إلي مصر، لأنها لم تعتمد علي المصريين في الجيش خوفا من حدوث انقلابات ضدهم، فاعتمدوا علي الأمازيغ في بداية الأمر، وعندما توغل الأمازيغ في الجيش بشكل يبعث الخوف، بدأت الدولة الفاطمية تعتمد علي النوبيين، حتي أصبح معظم قادة الجيش من النوبيين.
> دعنا نعود مرة أخري إلي قضية الواحات وموقف الأنظمة المصرية المتتالية من المطالبة بعودتها إلي مصر.. هل سجلت أي من الحكومات المتعاقبة بعد الثورة أياً من المواقف التي تطالب بعودة الواحات؟
- كان للرئيس محمد نجيب موقف تاريخي، بأن أرسل برقية لمجلس النواب الليبي في أول اجتماع له وهنأه باستقلال "ليبيا" وطالبه بإعادة الأراضي التي احتلتها إيطاليا أو أخذتها بالقوة، ولكن الليبيين رفضوا التفريط في الأراضي التي ورثوها من الاحتلال الإيطالي.. أما الرئيس عبد الناصر فلم يسجل أي موقف في هذا الشأن، بينما في عصر الرئيس أنور السادات حدثت مشاداة وأزمة سياسية، بدأت بأن "عبدالسلام جلود" عضو مجلس قيادة الثورة أنذاك، طالب بتعديل حدود ليبيا، لتصل إلي "رأس علم الروم" وضم واحة سيوة إلي ليبيا ووصل الأمر أيضا إلي الادعاء بأن حدود ليبيا تمتد حتي "العلمين" وكان رد الرئيس السادات علي تصريحات "عبدالسلام جلود" هي تحريك القوات المصرية والتوجه نحو "طبرك" وواحة "جغبوب".. ولولا تدخل الملوك والرؤساء العرب لكان هناك صراع عسكري عام 1977 علي خلفية التوترات التي خلفتها تلك التصريحات ورد الفعل من الجانب المصري.
> البعض يرجع طمع ليبيا في سيوة وتصريحات "عبدالسلام جلود" بضمها إلي الاراضي الليبية، إلي ضعف التنمية والاهمال من قبل الحكومة المصرية لواحة سيوة في العصور السابقة.. هل المناطق الحدودية المصرية تلقي رعاية بالشكل الذي يؤمن ولاء أبنائها لمصر؟
- مناطق الحدود المصرية بعيدة عن العمران، والحكومة لا تقدم الخدمات ولا ترعي مصالح سكان تلك المناطق الحدودية.. ولو توجهنا إلي نظريات الأمن القومي في جميع دول العالم، سنجد أن الدول تركز علي تأمين حدودها بالاستيطان وتركيز السكان في مناطق الحدود.. وهذا الأمر ما نفتقده في سيناء حتي الآن، لكن هناك توجهاً إلي أن يكون سكان سيناء من القبائل السيناوية وتحديدا في "عين الجديرات" حتي يكونوا حراسا علي حدود مصر، وقد كانت الحكومة المصرية لفترات طويلة تمنح زعماء القبائل رواتب شهرية مقابل الدور الذي يقومون به في حماية الحدود
> هل تري خطرا يهدد واحة سيوة؟
- ليس هناك خطر من الناحية العسكرية لأن القوات المصرية قادرة علي رد أي هجوم، لكن الخطر الحقيقي هو غياب التنمية عن سيوة، خاصة أن سيوة بها موارد كثيرة غير مستغلة، كما أن أهل سيوة هم الوحيدون من بين سكان الواحات الأخري الذين يشعرون بتميز أصلهم عن الأصول العربية والنوبية والصعيدية التي تسكن الواحات الأخري، فجميع الأصول التي تسكن الواحات الأخري باتت "هجيناً" من أصول مختلفة عدا الأصل الأمازيغي السيوي الذي رفض الاختلاط بالعرب والنوبيين حتي الآن وهم يشعرون بالعزلة عن عالمنا نحن، وهذا جعل الساسة يستغلون هذا العرق.. ومازال الاستغلال قائما.. فهناك دعوات مشابة لدعوات "عبدالسلام جلود" بأن أراضي مصر الغربية هي أراض ليبية، مازال هذا التصريح كامناً في نفوس السياسيين الليبيين.
> هل تعتقد أن ما يثار من تشكيك حول أبناء سيوة يعد سببا كافيا للتعامل معهم كملف أمني؟
- أنا أعترض اعتراضا شديدا علي العلاج الأمني لمشكلات مصر، فالأمن ليس لديه القدرة ولا المعلومات لعلاج تلك المشكلات.. فعلاج مشكلات الأقليات يكون بالتنمية.
> كيف تري مطالب أهل سيوة بتدريس اللغة الأمازيغية لأبناء سيوة؟
> ليس هناك مانع علي الإطلاق.. فاللغة القبطية يتم تدريسها في الكنائس، والنوبيون يتحدثون لغتهم دون حرج.. علينا أن نقر التعددية في المجتمع حتي لا نواجه مشكلات وصعاب <
مضابط البرلمان عام 1932 توضحها.. والرسائل المتبادلة بين قوات الاحتلال تعترف بها:
أطماع ليبيا التاريخية في سيوة.. وقصة 4 واحات ضاعت من مصر
ظل النزاع علي حدود مصر الغربية ممتددا عبر سنوات طويلة، و انتهي بخسارة العديد من أراضيها إذ لم تكن كل أراضي مصر التي دار حولها النزاع.. كانت البداية محاولات تركيا فرض سيادتها علي "السلوم" ثم محاولات إيطاليا توسيع حدود مستعمراتها الليبية علي حساب الأراضي المصرية، مما أدي إلي ضياع أراض مصرية، هي ميناء "البردية" و"هضبة السلوم" و"واحة جغبوب" في الوسط.. و"واحات أركنو" و"العوينات" في الجنوب.. بدأت قصة انتزاع تلك الأراضي من السيادة المصرية أثناء أزمة خليج السلوم عام 1904، فقد كان هناك خلاف مع الدولة التركية والتي استطاعت الاستيلاء علي مدينة السلوم في 9نوفمبر 1904 وأقام الاتراك ثكنات عسكرية بالمدينة، مما أثار الاحتلال الإنجليزي لمصر، فبدأت ضغوط بريطانية علي الحكومة العثمانية للانسحاب من مدينة السلوم والاعتراف بالسيادة المصرية علي مدينة السلوم...وكان ذلك هو أول نزاع علي حدود مصر الغربية.
حدث أثناء ذلك - وفيما بعد- غارات من قبائل ليبية علي صحراء مصر الغربية طوال الفترة من 1901 حتي 1916، وقد بدأت بغارة من قبيلة "الأوازير" من بني غازي علي قبيلة "القطيفة" وهي واحدة من القبائل المصرية علي الحدود مع ليبيا... وعندما زار قائد السواحل المصري آنذاك ميناء السلوم عام 1905، أبلغته مشايخ القبائل المصرية أنهم يتوقعون غارات من القبائل الليبية، وقد كان للأتراك والألمان دور في هذه الغارات، فقد أرسلا إلي السيد احمد السنوسي في صحراء ليبيا، وأغروه بالدخول في الحرب ضد القوات البريطانية والمصرية، وطمع "السنوسي" في فرض سيطرته علي أجزاء عديدة من مصر مما أدي إلي الدخول في 6 معارك مع القوات المصرية والبريطانية.. ومنها معركة "بئر ماجد" عام 1915 و"العطاطين" عام إيطاليا"ليبيا"، طالبت بريطانيا بتنفيذ اتفاقية "ملنر -شالويا" وتسليم واحة "جغبوب" إلي ليبيا.. وكانت مصر في ذلك الوقت قد حصلت علي استقلالها وأصبحت دولة مستقلة ولا تستطيع بريطانيا إجبار الحكومة المصرية علي تسليم واحة "جغبوب" وقد حدث آنذاك، أن الزعيم "سعد زغلول" رفض تنفيذ هذه المعاهدة علي أساس أنه ليس من حق انجلترا التنازل عن أرض مصرية إلي دولة أجنبية، خصوصا بعد حصول مصر علي الاستقلال وأصدر مجلس الوزراء برئاسة "سعد زغلول" آنذاك قرارا بتحصين واحة سيوة عسكريا وصد أي هجوم إيطالي علي واحة "جغبوب" و"واحة سيوة"...وعندما التقي السفير الإيطالي بالملك أحمد فؤاد وطلب منه تسليم واحة "جغبوب" إلي إيطاليا طبقا لنصوص الاتفاقية...رفض الملك وقال وقتها :" لا أريد أن يذكر التاريخ أن هناك ملكاً مصرياً تنازل عن شبر واحد من التراب المصري، كما أن الدستور المصري يرفض التنازل أو تعديل الحدود إلا بموافقة البرلمان، وحتي لو وافق البرلمان علي التنازل عن واحة "جغبوب" فأنا لن أوقع علي معاهدة تنازل عن الواحة، وليحتل الأتراك "جغبوب" و"سيوة" كما يهددون، لأن شعب مصر سيحرر تلك الأراضي في يوم من الأيام، لكن التاريخ لن يغفر لي إذا تنازلت عن شبر واحد من أرض مصر"... سقطت حكومة سعد زغلول وجاءت حكومة "أحمد زيور" الذي قبل مطالب إيطاليا بتسليم واحة "جغبوب" ووقع علي تلك المعاهدة دون أن تعرض علي البرلمان، وعندما عرضت عليه رفضها لمدة 7 سنوات.. لكن حدث أن ضاق صدر "موسوليني" بمعارضة البرلمان للتصديق علي الاتفاقية، فتم الضغط علي الحكومة لتمرير الاتفاقية في مجلس النواب.. ورغم إقناع أعضاء مجلس النواب جميعا بحقوق مصر التاريخية في واحة "جغبوب" لكنه تراجع عنها خوفا من التهديدات الإيطالية المتكررة باحتلال مرسي مطروح مالم يصدق البرلمان المصري علي هذه المعاهدة.. ولذا اضطر البرلمان للتصديق عليها... تبقي حقوق مصر التاريخية ثابتة في هذا الأمر، ولعل أبرز الوثائق الدالة علي هذا، اعترافات إيطاليا المكررة بملكية مصر لواحة "جغبوب".. فقد صدر بيان رسمي إيطالي عام 1890 عن أركان حرب القوات الإيطالية اعتبر فيه "هضبة السلوم" وواحة "جغبوب" ضمن حدود مصر.. وكذلك اتفاقية تم توقيعها بين محافظ الصحراء الغربية والسيد "إدريس السنوسي" بعد أن تمكن سلاح الهجانة المصري من تحرير الواحات المصرية من احتلال قوات السنوسي، وقد أعطي هذا الاتفاق لـ"السنوسي" الحق في أن يتولي حكم واحة "جغبوب" مع بقائها تحت السيادة المصرية... بالإضافة إلي خطاب تم إرساله من الوزير المفوض الإيطالي إلي الحكومة المصرية في أغسطس عام 1924 يطالب فيه الحكومة المصرية بالتدخل لمنع الثوار الليبيين من استخدام واحة "جغبوب" كقاعدة لنشاطهم ضد إيطاليا، وهذا اعتراف ضمني من إيطاليا بالسيادة المصرية علي واحة "جغبوب" كما أن هناك العديد من الأدلة الأخري التي تثبت حق مصر في الواحة، ومنها عدد من الخرائط التي أعدت خلال الفترة من 1921 حتي 1925 واثبتت دخول "جغبوب" ضمن الأراضي المصرية، وتلك الخرائط موجودة في المتحف البريطاني، كذلك "أطلس جوشن" الصادر عام 1866 والمحفوظ بدار الكتب المصرية وقد أثبت حق مصر في الواحة... والمشروع الذي تقدم به "كتشنر" المندوب السامي البريطاني، واقترح فيه ترسيم الحدود بين مصر وليبيا، وكان ميناء "البردية" و"هضبة السلوم" وواحة "جغبوب" ضمن الأراضي المصرية في هذا المشروع
بعيدا عن واحة "جغبوب"... حدث أن قامت القوات الإيطالية باحتلال لواحات "أركنو" و"العوينات" عام 1934... وقد كانت تلك الواحات مجهولة تماما، وأول من اكتشفها هو "أحمد حسين بك" عام 1923 ومن بعده الأمير "كمال الدين حسين" بين عامي 1924 -1926 وكلاهما مصري، ويعد هذا الاكتشاف حدثًا تاريخيا ينسب لمكتشفه، وإلي هذا فقد اعتبرت تلك الأرض مصرية
لكن ما حدث أن إيطاليا عندما احتلت واحة "الكفرة" وجدت أنه لا قيمة ولا جدوي لهذه الواحة من الناحية العسكرية والاستراتيجية مالم يتم احتلال "أركنو" و"العوينات" و"آبار سارة" وهي واحات تقع علي ناحية الغرب والجنوب من واحة "الكفرة"، ولذلك اتجهت إيطاليا عام 1934 للاحتلال العسكري لتلك الواحات المصرية... لكن بريطانيا احتجت علي هذا الاحتلال، رغم حصول مصر علي استقلالها، لكن كانت هناك اتفاقية للدفاع عن مصر، فحدث تبادل مذكرات بين بريطانيا وإيطاليا لتسوية هذا الأمر، لكن نظرا لظروف الحرب العالمية الثانية والحسابات السياسية والمعاهدات المبرمة بين الدولتين، تم التنازل -في ظل تبادل المذكرات- عن هذه الأراضي" أركنو والعوينات وآبار سارة" إلي تركيا، مقابل وقف الحرب والتهديدات باستخدام القوة لاحتلال المزيد، وتم إخطار الخارجية المصرية بهذه التسوية.. ولم تعترض علي ذلك
خبير في القضايا الحدودية المصرية يفك شفرة علاقة الأمازيغ بليبيا
مصطفي النشرتي: حلم ضم سيوة مازال يداعب خيال الليبيين.. و«جغبوب» مصرية بشهادة دول الاحتلال
مصر أعدت دراسات منذ عام 1940 حتي 1947 تثبت حقها في واحة «جغبوب» وهضبة السلوم وميناء البرية
الدكتور مصطفي النشرتي، أستاذ الاقتصاد بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، واحد من أكثر الأشخاص اهتماما بمشكلات مصر الحدودية وله في ذلك مؤلفات عديدة، ومنها كتاب "انقاذ مصر" الذي يتناول بالأوراق والوثائق حق مصر الأصيل في واحة "جغبوب" وهضبة السلوم وغيرهما من الأراضي المصرية التي انتزعتها إيطاليا لصالح ليبيا، في ظل حسابات سياسية بين قوات الاحتلال.. أكد النشرتي أن الصراع بين العرق الأمازيغي في سيوة والقبائل العربية يعود إلي ممارسات قوات الاحتلال التركي والإيطالي في تلك الفترة وليس إلي دخول الإسلام إلي مصر.. وفي نص الحوار العديد من التفاصيل..
> دعنا من البعد التاريخي لأزمة الواحات المصرية مع "ليبيا".. ما موقف الحكومات المصرية المتتالية بعد الثورة من تلك القضية؟
- الموقف كان دبلوماسيا ليس أكثر.. فقد عكفت الحكومة منذ عام 1940 حتي عام 1947 علي إعداد أبحاث تفصيلية وتجميع الوثائق التي تثبت حقوق مصر التاريخية في تلك المناطق، وتم التقديم بها رسميا إلي مؤتمر الصلح في "باريس" عام 1946 ومؤتمر وزراء خارجية الدول العظمي في "لندن".
> ماذا تضمت المذكرات التي تقدمت بها مصري من دلائل الاثبات لأحقيتها في الواحات؟
- تضمنت المذكرات بندين أساسيين.. أن مصر تطالب باستقلال "ليبيا" ووحدتها، وكانت الدول العظمي ضد تلك الرغبة، وكانوا يستهدفون تقسيمها إلي 3 مناطق، علي أن تكون كل منطقة خاضعة لدولة عظمي.. أما البند الثاني، فكان طلب مصر تعديل حدود مصر الغربية، التأكيد علي رغبتها في استرداد مناطق معينة، وهي منطقة "هضبة السلوم" بما تشمله من ميناء "بردية"، لأن تلك الهضبة لها أهمية عسكرية كبري، فمن يسيطر عليها يمكنه تهديد حدود مصر الشمالية.. أما المنطقة الثانية فكانت واحة "جغبوب" التي تمثل عنق الزجاجة والمدخل الطبيعي من الجهة الغربية لجميع واحات مصر الغربية وقد سبق لإدريس السنوسي أن هاجم القوات المصرية واستطاع احتلال جميع الواحات.
> كيف قبلت الحكومة المصرية بحكم "السنوسي" علي واحة "جغبوب" وقد كانت تحت السيادة المصرية وقتها؟
- بدأت قصة حكم "السنوسي" لواحة "جغبوب" من الصراع الذي كان دائرا بين تركيا ومصر بعد احتلال بريطانيا مصر، وقد حدث أن احتلت تركيا "أم الرشراش" عام 1906، كما احتلت "سيناء" مرتين، عام 1915 و1916 واستمرت المعارك في سيناء لمدة عامين، لإجبار القوات التركية علي الانسحاب من الاراضي المصرية.. في ذلك الوقت أرسل الاتراك والالمان إلي "إدريس السنوسي" وأغروه بالدخول في حرب مع مصر، مستغلا انشغال مصر في حربها مع الأتراك في سيناء وضعف خطوطها الغربية لاحتلال الواحات والزحف منها إلي القاهرة.. وقد صدق "السنوسي" الإغراءات التركية والألمانية، وقام بغزو صحراء مصر الغربية واستطاع الوصول إلي مشارف النيل، وظل هذا الاحتلال لمدة 15 سنة، إلي أن تم إنشاء سلاح الهجانة المصري الذي استطاع تحرير الواحات المصرية، وتم عقد اتفاقية مع "السنوسي" تقضي بالاكتفاء بالزعامة الدينية، وأن يكون حاكما لواحة "جغبوب" تحت السيادة المصرية، وكان هناك شرط في تلك الاتفاقية بألا يزيد أتباعه المسلحون في الواحة علي 50 فردا، يستخدمون لحفظ الأمن الداخلي فقط داخل الواحة.
> هل نستطيع أن نعتبر أن تلك الحوادث ضمن أسباب الحساسيات الدائمة بين الأمازيغ والعرب؟
- نعم.. فقد كان للبعد التاريخي دور مهم في إحياء الصراع العرقي بين العرب والأمازيغيين، وقد استغلت تركيا هذا الصراع للحد من السيطرة البريطانية علي مصر وإثارة المشكلات مع الحكومة المصرية.. فقد دخلت تركيا في الحرب وكان موقفها الثابت من الغارات بين القبائل العربية والأمازيغية أن هذا صراع علي الحدود بين مصر والدولة العثمانية، ورغم أن "السنوسي" كان حاكما لإقليم مصري آنذاك، إلا أن الدولة العثمانية عندما اعترفت باستقلال "ليبيا" عينته ملكا علي ليبيا، وذلك لإثارة النزاعات القبلية والعرقية علي الحدود الغربية.
> ما يوثق له الأمازيغ، أن البعد التاريخي للعداء مع العرب يعود إلي دخول الإسلام مصر.. فما حقيقة هذا الأمر؟
- لا أعتقد هذا.. لأن الأمازيغيين بالكامل دخلوا إلي الإسلام، فلماذا الصراع في فترة دخول الإسلام؟
> بعضهم يعتقد أن الإسلام دخل إليهم بالقوة؟
- لم يدخل إليهم الإسلام بحد السيف، فالقبائل العربية دخلت واحتلت شمال إفريقيا، وأقامت مع الأمازيغ.. وكانت القبائل العربية "أقلية" بين القبائل الأمازيغية ونسبتها لا تتعدي نسبة 1% من السكان، إلا أنه مع مرور الوقت دخل الأمازيغ في الإسلام وانتشرت اللغة العربية، وقد وصل الأمر إلي انضمام العديد من الأمازيغيين إلي جيوش "عقبة بن نافع".. كما أن الدولة الفاطمية بدأت في "القيروان" واستعانت بالأمازيغ في تكوين الجيوش، وكانوا الأغلبية في ذلك الوقت بين سكان المنطقة، وعندما دخل الفاطميون إلي مصر جاء معهم الأمازيغ، فيما أطلق عليه موجة الاستيطان الثانية، لأنه سبق أن دخل الأمازيغ إلي مصر في عهد رمسيس الثاني وحكموا البلاد في فترة لاحقة من حكمه.. خلاصة كل هذا أن القبائل العربية التي دخلت إلي مصر والمنطقة لم يكن ذلك مع دخول الإسلام، بل أنه كان سابقاً لدخول الإسلام مصر، وأن العرب تعايشوا مع الأمازيغ لفترة طويلة جدا قبل دخول الإسلام، وأن العداء الحقيقي بين العرب والأمازيغ حديث العهد ويعود لما حدث في فترة الاحتلال الايطالي لـ"ليبيا" والاحتلال الإنجليزي لـ"مصر".
> وأين موقع الأمازيغ من مصر إذا؟
- هناك مغالطة تاريخية.. وهي أن مصر موطن للأمازيغ.. وهذا "غير صحيح".. فالموطن الأصلي للأمازيغ شمال إفريقيا.. "القيروان" في تونس حتي الساحل الأطلسي، لكن حدث تاريخيا هجرات لقبائل أمازيغية وليبية إلي مصر واستوطنت فيها، والسبب الأساسي في هذه الهجرات كان المطر والمرعي قبل ان يكون الحرب، ولذلك استوطن وبقي الأمازيغ في سيوة دون غيرها.
> لكن الموثق تاريخيا أن الأمازيغ توسعوا في استيطانهم حتي بلغوا معظم أراضي مصر تقريبا؟
- هذا صحيح.. لأنهم عندما جاءوا في بداية الأمر كانوا "قلة".. وذهبوا في بداية دخولهم إلي مصر إلي مناطق المطر والمراعي، لكنهم استطاعوا التوغل في الجيش المصري في عصر الفراعنة حتي وصلوا إلي الحكم، وفي تلك الفترة حدث توسع وانتشار لهم في جميع أنحاء مصر تقريبا.. ساعدهم علي بقائهم وانتشارهم دخول الدولة الفاطمية إلي مصر، لأنها لم تعتمد علي المصريين في الجيش خوفا من حدوث انقلابات ضدهم، فاعتمدوا علي الأمازيغ في بداية الأمر، وعندما توغل الأمازيغ في الجيش بشكل يبعث الخوف، بدأت الدولة الفاطمية تعتمد علي النوبيين، حتي أصبح معظم قادة الجيش من النوبيين.
> دعنا نعود مرة أخري إلي قضية الواحات وموقف الأنظمة المصرية المتتالية من المطالبة بعودتها إلي مصر.. هل سجلت أي من الحكومات المتعاقبة بعد الثورة أياً من المواقف التي تطالب بعودة الواحات؟
- كان للرئيس محمد نجيب موقف تاريخي، بأن أرسل برقية لمجلس النواب الليبي في أول اجتماع له وهنأه باستقلال "ليبيا" وطالبه بإعادة الأراضي التي احتلتها إيطاليا أو أخذتها بالقوة، ولكن الليبيين رفضوا التفريط في الأراضي التي ورثوها من الاحتلال الإيطالي.. أما الرئيس عبد الناصر فلم يسجل أي موقف في هذا الشأن، بينما في عصر الرئيس أنور السادات حدثت مشاداة وأزمة سياسية، بدأت بأن "عبدالسلام جلود" عضو مجلس قيادة الثورة أنذاك، طالب بتعديل حدود ليبيا، لتصل إلي "رأس علم الروم" وضم واحة سيوة إلي ليبيا ووصل الأمر أيضا إلي الادعاء بأن حدود ليبيا تمتد حتي "العلمين" وكان رد الرئيس السادات علي تصريحات "عبدالسلام جلود" هي تحريك القوات المصرية والتوجه نحو "طبرك" وواحة "جغبوب".. ولولا تدخل الملوك والرؤساء العرب لكان هناك صراع عسكري عام 1977 علي خلفية التوترات التي خلفتها تلك التصريحات ورد الفعل من الجانب المصري.
> البعض يرجع طمع ليبيا في سيوة وتصريحات "عبدالسلام جلود" بضمها إلي الاراضي الليبية، إلي ضعف التنمية والاهمال من قبل الحكومة المصرية لواحة سيوة في العصور السابقة.. هل المناطق الحدودية المصرية تلقي رعاية بالشكل الذي يؤمن ولاء أبنائها لمصر؟
- مناطق الحدود المصرية بعيدة عن العمران، والحكومة لا تقدم الخدمات ولا ترعي مصالح سكان تلك المناطق الحدودية.. ولو توجهنا إلي نظريات الأمن القومي في جميع دول العالم، سنجد أن الدول تركز علي تأمين حدودها بالاستيطان وتركيز السكان في مناطق الحدود.. وهذا الأمر ما نفتقده في سيناء حتي الآن، لكن هناك توجهاً إلي أن يكون سكان سيناء من القبائل السيناوية وتحديدا في "عين الجديرات" حتي يكونوا حراسا علي حدود مصر، وقد كانت الحكومة المصرية لفترات طويلة تمنح زعماء القبائل رواتب شهرية مقابل الدور الذي يقومون به في حماية الحدود
> هل تري خطرا يهدد واحة سيوة؟
- ليس هناك خطر من الناحية العسكرية لأن القوات المصرية قادرة علي رد أي هجوم، لكن الخطر الحقيقي هو غياب التنمية عن سيوة، خاصة أن سيوة بها موارد كثيرة غير مستغلة، كما أن أهل سيوة هم الوحيدون من بين سكان الواحات الأخري الذين يشعرون بتميز أصلهم عن الأصول العربية والنوبية والصعيدية التي تسكن الواحات الأخري، فجميع الأصول التي تسكن الواحات الأخري باتت "هجيناً" من أصول مختلفة عدا الأصل الأمازيغي السيوي الذي رفض الاختلاط بالعرب والنوبيين حتي الآن وهم يشعرون بالعزلة عن عالمنا نحن، وهذا جعل الساسة يستغلون هذا العرق.. ومازال الاستغلال قائما.. فهناك دعوات مشابة لدعوات "عبدالسلام جلود" بأن أراضي مصر الغربية هي أراض ليبية، مازال هذا التصريح كامناً في نفوس السياسيين الليبيين.
> هل تعتقد أن ما يثار من تشكيك حول أبناء سيوة يعد سببا كافيا للتعامل معهم كملف أمني؟
- أنا أعترض اعتراضا شديدا علي العلاج الأمني لمشكلات مصر، فالأمن ليس لديه القدرة ولا المعلومات لعلاج تلك المشكلات.. فعلاج مشكلات الأقليات يكون بالتنمية.
> كيف تري مطالب أهل سيوة بتدريس اللغة الأمازيغية لأبناء سيوة؟
> ليس هناك مانع علي الإطلاق.. فاللغة القبطية يتم تدريسها في الكنائس، والنوبيون يتحدثون لغتهم دون حرج.. علينا أن نقر التعددية في المجتمع حتي لا نواجه مشكلات وصعاب <
مضابط البرلمان عام 1932 توضحها.. والرسائل المتبادلة بين قوات الاحتلال تعترف بها:
أطماع ليبيا التاريخية في سيوة.. وقصة 4 واحات ضاعت من مصر
ظل النزاع علي حدود مصر الغربية ممتددا عبر سنوات طويلة، و انتهي بخسارة العديد من أراضيها إذ لم تكن كل أراضي مصر التي دار حولها النزاع.. كانت البداية محاولات تركيا فرض سيادتها علي "السلوم" ثم محاولات إيطاليا توسيع حدود مستعمراتها الليبية علي حساب الأراضي المصرية، مما أدي إلي ضياع أراض مصرية، هي ميناء "البردية" و"هضبة السلوم" و"واحة جغبوب" في الوسط.. و"واحات أركنو" و"العوينات" في الجنوب.. بدأت قصة انتزاع تلك الأراضي من السيادة المصرية أثناء أزمة خليج السلوم عام 1904، فقد كان هناك خلاف مع الدولة التركية والتي استطاعت الاستيلاء علي مدينة السلوم في 9نوفمبر 1904 وأقام الاتراك ثكنات عسكرية بالمدينة، مما أثار الاحتلال الإنجليزي لمصر، فبدأت ضغوط بريطانية علي الحكومة العثمانية للانسحاب من مدينة السلوم والاعتراف بالسيادة المصرية علي مدينة السلوم...وكان ذلك هو أول نزاع علي حدود مصر الغربية.
حدث أثناء ذلك - وفيما بعد- غارات من قبائل ليبية علي صحراء مصر الغربية طوال الفترة من 1901 حتي 1916، وقد بدأت بغارة من قبيلة "الأوازير" من بني غازي علي قبيلة "القطيفة" وهي واحدة من القبائل المصرية علي الحدود مع ليبيا... وعندما زار قائد السواحل المصري آنذاك ميناء السلوم عام 1905، أبلغته مشايخ القبائل المصرية أنهم يتوقعون غارات من القبائل الليبية، وقد كان للأتراك والألمان دور في هذه الغارات، فقد أرسلا إلي السيد احمد السنوسي في صحراء ليبيا، وأغروه بالدخول في الحرب ضد القوات البريطانية والمصرية، وطمع "السنوسي" في فرض سيطرته علي أجزاء عديدة من مصر مما أدي إلي الدخول في 6 معارك مع القوات المصرية والبريطانية.. ومنها معركة "بئر ماجد" عام 1915 و"العطاطين" عام إيطاليا"ليبيا"، طالبت بريطانيا بتنفيذ اتفاقية "ملنر -شالويا" وتسليم واحة "جغبوب" إلي ليبيا.. وكانت مصر في ذلك الوقت قد حصلت علي استقلالها وأصبحت دولة مستقلة ولا تستطيع بريطانيا إجبار الحكومة المصرية علي تسليم واحة "جغبوب" وقد حدث آنذاك، أن الزعيم "سعد زغلول" رفض تنفيذ هذه المعاهدة علي أساس أنه ليس من حق انجلترا التنازل عن أرض مصرية إلي دولة أجنبية، خصوصا بعد حصول مصر علي الاستقلال وأصدر مجلس الوزراء برئاسة "سعد زغلول" آنذاك قرارا بتحصين واحة سيوة عسكريا وصد أي هجوم إيطالي علي واحة "جغبوب" و"واحة سيوة"...وعندما التقي السفير الإيطالي بالملك أحمد فؤاد وطلب منه تسليم واحة "جغبوب" إلي إيطاليا طبقا لنصوص الاتفاقية...رفض الملك وقال وقتها :" لا أريد أن يذكر التاريخ أن هناك ملكاً مصرياً تنازل عن شبر واحد من التراب المصري، كما أن الدستور المصري يرفض التنازل أو تعديل الحدود إلا بموافقة البرلمان، وحتي لو وافق البرلمان علي التنازل عن واحة "جغبوب" فأنا لن أوقع علي معاهدة تنازل عن الواحة، وليحتل الأتراك "جغبوب" و"سيوة" كما يهددون، لأن شعب مصر سيحرر تلك الأراضي في يوم من الأيام، لكن التاريخ لن يغفر لي إذا تنازلت عن شبر واحد من أرض مصر"... سقطت حكومة سعد زغلول وجاءت حكومة "أحمد زيور" الذي قبل مطالب إيطاليا بتسليم واحة "جغبوب" ووقع علي تلك المعاهدة دون أن تعرض علي البرلمان، وعندما عرضت عليه رفضها لمدة 7 سنوات.. لكن حدث أن ضاق صدر "موسوليني" بمعارضة البرلمان للتصديق علي الاتفاقية، فتم الضغط علي الحكومة لتمرير الاتفاقية في مجلس النواب.. ورغم إقناع أعضاء مجلس النواب جميعا بحقوق مصر التاريخية في واحة "جغبوب" لكنه تراجع عنها خوفا من التهديدات الإيطالية المتكررة باحتلال مرسي مطروح مالم يصدق البرلمان المصري علي هذه المعاهدة.. ولذا اضطر البرلمان للتصديق عليها... تبقي حقوق مصر التاريخية ثابتة في هذا الأمر، ولعل أبرز الوثائق الدالة علي هذا، اعترافات إيطاليا المكررة بملكية مصر لواحة "جغبوب".. فقد صدر بيان رسمي إيطالي عام 1890 عن أركان حرب القوات الإيطالية اعتبر فيه "هضبة السلوم" وواحة "جغبوب" ضمن حدود مصر.. وكذلك اتفاقية تم توقيعها بين محافظ الصحراء الغربية والسيد "إدريس السنوسي" بعد أن تمكن سلاح الهجانة المصري من تحرير الواحات المصرية من احتلال قوات السنوسي، وقد أعطي هذا الاتفاق لـ"السنوسي" الحق في أن يتولي حكم واحة "جغبوب" مع بقائها تحت السيادة المصرية... بالإضافة إلي خطاب تم إرساله من الوزير المفوض الإيطالي إلي الحكومة المصرية في أغسطس عام 1924 يطالب فيه الحكومة المصرية بالتدخل لمنع الثوار الليبيين من استخدام واحة "جغبوب" كقاعدة لنشاطهم ضد إيطاليا، وهذا اعتراف ضمني من إيطاليا بالسيادة المصرية علي واحة "جغبوب" كما أن هناك العديد من الأدلة الأخري التي تثبت حق مصر في الواحة، ومنها عدد من الخرائط التي أعدت خلال الفترة من 1921 حتي 1925 واثبتت دخول "جغبوب" ضمن الأراضي المصرية، وتلك الخرائط موجودة في المتحف البريطاني، كذلك "أطلس جوشن" الصادر عام 1866 والمحفوظ بدار الكتب المصرية وقد أثبت حق مصر في الواحة... والمشروع الذي تقدم به "كتشنر" المندوب السامي البريطاني، واقترح فيه ترسيم الحدود بين مصر وليبيا، وكان ميناء "البردية" و"هضبة السلوم" وواحة "جغبوب" ضمن الأراضي المصرية في هذا المشروع
بعيدا عن واحة "جغبوب"... حدث أن قامت القوات الإيطالية باحتلال لواحات "أركنو" و"العوينات" عام 1934... وقد كانت تلك الواحات مجهولة تماما، وأول من اكتشفها هو "أحمد حسين بك" عام 1923 ومن بعده الأمير "كمال الدين حسين" بين عامي 1924 -1926 وكلاهما مصري، ويعد هذا الاكتشاف حدثًا تاريخيا ينسب لمكتشفه، وإلي هذا فقد اعتبرت تلك الأرض مصرية
لكن ما حدث أن إيطاليا عندما احتلت واحة "الكفرة" وجدت أنه لا قيمة ولا جدوي لهذه الواحة من الناحية العسكرية والاستراتيجية مالم يتم احتلال "أركنو" و"العوينات" و"آبار سارة" وهي واحات تقع علي ناحية الغرب والجنوب من واحة "الكفرة"، ولذلك اتجهت إيطاليا عام 1934 للاحتلال العسكري لتلك الواحات المصرية... لكن بريطانيا احتجت علي هذا الاحتلال، رغم حصول مصر علي استقلالها، لكن كانت هناك اتفاقية للدفاع عن مصر، فحدث تبادل مذكرات بين بريطانيا وإيطاليا لتسوية هذا الأمر، لكن نظرا لظروف الحرب العالمية الثانية والحسابات السياسية والمعاهدات المبرمة بين الدولتين، تم التنازل -في ظل تبادل المذكرات- عن هذه الأراضي" أركنو والعوينات وآبار سارة" إلي تركيا، مقابل وقف الحرب والتهديدات باستخدام القوة لاحتلال المزيد، وتم إخطار الخارجية المصرية بهذه التسوية.. ولم تعترض علي ذلك